مناهج للخط العربي

 

سيف بن سالم المعمري

ساهم الحاسوب وبشكل كبير جدًا في حل معضلة عدم القدرة على قراءة بعض الخطوط اليدوية لكثير من النّاس، حيث كان لأصحاب الخطوط الجميلة إسهامات كبيرة في كتابة الرسائل وقراءتها والاعتماد عليها في تقديمها للمؤسسات الرسمية وأحيانًا في توثيق وحفظ حقوق الناس، بل كان من يملك خطًا جميلاً محل تقدير واحترام ويتماثل به الجميع، ويسمى الشخص الذي يتقن كتابة جميع الخطوط العربية(الخطَّاط).

ولعل جمال خط اليد موهبة سخرها الله لأناس، لكنها تصقل بالتمرين والمواظبة على الكتابة، وحرص الموهوب على تطوير موهبته في كتابة الخط العربي والذي يتجاوز إتقانه لخطي الرقعة والنسخ إلى الخطوط الأخرى كالخط الديواني والخط الأندلسي وخط الثُلث وغيرها .

 وكما هو معلوم فإنّ الخط العربي هو أسلوب كتابة حروف اللغة العربية، وهناك أشكال خاصة لكل خط من الخطوط العربية، كما أن لكل خط تاريخٌ ارتبط بنشأته، ويتميز الخط العربي عن غيره من الخطوط، بطريقة كتابته، حيث تعتمد على فن الرسم، أكثر من الكتابة العادية المعروفة عند النّاس، فيحرص الشخص الذي يتقن كتابة خط من الخطوط العربية، على رسمه بأفضل الصور، للدلالة على مدى جماله.

ولأهمية الخط العربي وما يمثله من دور في التراث الثقافي والحضاري للعرب والمسلمين، أصبح من الأهمية بمكان أن تضاعف المؤسسات التربوية والتعليمية الاهتمام بالخط العربي واستحداث مناهج دراسية وتطوير القائم منها، حيث تعد كراسة الخط العربي الملحقة بمادة اللغة العربية في مدارس السلطنة من الصف الرابع وحتى التاسع نواة لتطوير مهارات الخط العربي لكنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام من حيث إفراد منهج خاص به وتخصيص حصة أو حصتين أسبوعيتين للمقرر وتخصيص أدوات تقويم مناسبة للمنهج، وعدم الاقتصار على خطي الرقعة والنسخ بل تخطيها إلى الخطوط الأخرى، وتقديم محتوى إثرائي للطالب حول تاريخ الخط العربي وأنواعه وأشكاله الفنية، وتتكامل مع الدروس في مناهج الفنون التشكيلية بمدارسنا.

ومتى ما هيأت المناهج الدراسية المتخصصة فستأتي المخرجات بحجم الاهتمام والرعاية التي توليها المؤسسات التربوية والتعليمية  للخط العربي، والذي يتعدى كونه فناً يقبل عليه الموهوبون إلى أداة للتواصل وتوثيق للتراث الحضاري، بل يمكن أن يكون مصدر دخل للكثيرين من خلال تأسيس مشاريع في كتابة اللوحات واللافتات والتي أصبحت - وللأسف الشديد-  منهة تمتهنها العمالة الآسيوية والتي لا تجيد كتابة الخط العربي مما تسبب في شيوع الأخطاء اللغوية وتغيير رسم الحروف العربية، صحيح إن الحاسوب سهل عمليات الطباعة، لكن لا تزال الحاجة إلى الكتابة باليد في الكثير من المجالات ولا يمكن الاستغناء عن هذا الفن وهذا التراث الحضاري.

وعلى المؤسسات التربوية والتعليمية أن تستشعر واقع مخرجاتها وإلمامها بكتابة الخط العربي وإتقاته، كما يمكن أن تتكامل أدوارها مع المؤسسات الأخرى كالجمعية العُمانية للفنون التشكيلية والأندية والفرق الرياضية والشبابية والمؤسسات التي تحتضن المواهب، وهناك عدد من الموهوبين في كتابة الخط العربي يظهرون إبداعاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي كالإنستجرام وهو استثمار رائع للموهبة، ويمكن احتضانهم لإقامة الورش والبرامج التدريبية لبقية الشباب، كما يمكن أن تستثمر مواهبهم من خلال إعطائهم الأولوية في بعض الوظائف في المؤسسات الحكومية والخاصة والتي ترتبط بالكتابة باليد وتحرير الأوراق والوثائق الرسمية .

ومن المؤسف حقاً أن تجد الكثيرين الذين لا يجيدون الكتابة باليد لدرجة عدم القدرة على قراءة خطوطهم وتداخل الحروف وعدم التقيد بكتابتها على قواعدها الصحيحة وهو ما نلمسه خلال تحرير عدد من الموظفين للأوراق الرسمية في المؤسسات الحكومية والخاصة، بل تلمس ذلك أحياناً عند بعض المسؤولين فيصعب عليك قراءة خطوطهم وفك طلاسمها.

 

Saif5900@gmail.com