كيف لبرنامج "تنفيذ" أن ينجح؟

 

 

خلفان الطوقي

مرَّت على عُمان عدد من المبادرات؛ منها: "سند"، و"رفد"، و"ريادة"، و"تعمين"...وغيرها الكثير، إضافة إلى الندوات الوطنية التي تظهر وتشع توصياتها وقراراتها نورًا وبهاءً لوقت معين ثم تخفُت مع الأيام، إلى أنْ تختفي تدريجيًّا. واليوم، الأحد الموافق 18 سبتمبر، سوف تبدأ -بإذن الله- مُبادرة جديدة وهي "تنفيذ"، والتي تستهدف التنويع الاقتصادي لخمس قطاعات واعدة في السلطنة؛ هي: قطاع النقل واللوجستيات والتعدين والصناعات التحويلية والسياحة والثروة السمكية، يقودها المجلس اﻷعلى للتخطيط، بالتعاون مع وحدة اﻷداء والتنفيذ الماليزية "بامندو".

ومن خلال مُتابعتي لإحدى مجموعات "الواتساب" المتخصِّصة في المجال الاقتصادي والتجاري، طرحتُ سؤالا؛ وهو الآتي: ما هي العوامل التي ستُمكِّن برنامج "تنفيذ" من النجاح على أرض الواقع؟! وجاءت الردود مُتباينة؛ منهم من طَرَح حلولاً عملية، ومنهم من كان مُتشائما بسبب التجارب المريرة السابقة، ومنهم من كان واقعيًّا، والقِلَّة القليلة كانت مُتفائلة وتتمنَّى إعطاء فرصة أخرى من باب "لعل وعسى".

وبسبب أنَّني أؤمن بتقديم الحلول، وأنْ أكون معولَ بناء ودَعْم، سَوْف أطرح العوامل المساعدة لنجاح البرنامج، ومنبعها أشخاص غيورون ومحبون وداعمون لنجاح هذه المبادرة ولأي جهد مُخلص يعود بخيره على البلاد والعباد، وأهم هذه العوامل ما يلي: أعمال تحضيرية أي قبل بداية البرنامج، وأولها: قدرة القائمين على برنامج "تنفيذ" على التحديد الصادق والمحايد للأسباب الحقيقية للتحديات والعوائق في عدم نجاح المبادرات السابقة، وتحديد صفات "التميُّز" للسلطنة في القطاعات الخمسة المختارة والموضَّحة أعلاه ونقاط القوة والضعف، ومقارنة المكانة الحالية للسلطنة بهذه القطاعات مع الدول المنافسة، والذين يعتبرون المنافسين المباشرين، خاصة الدول المجاورة، وتحديد الاحتياجات والتوقعات قبل بدء المختبرات العملية، ودقة تحديد من هم أطراف العلاقة وطبيعة علاقتهم فيما بينهم، وما هي الدراسات التي سبقتْ البرنامح والتي تبيِّن للمشاركين النتائج المرجوة وعوائدها على المواطن.

أمَّا بالنسبة لفترة إقامة المختبرات، والتي تسمى "مختبرات الحلول"، فقد ارتكزت النقاط على عدة محاور؛ أهمها: أن يجد فريق "تنفيذ" آلية تُقنع المشاركين -وليس "اﻹلزام"- باستمرارهم في الحضور للمدة كاملة، دون تغيير بين فترة وأخرى؛ لكي لا يُؤثر ذلك على جودة المخرجات المرجوة، وأنْ يكون المشاركون من القطاع الخاص -خاصة المستقل، والذي لا يمثل إلا نفسه، والذي يُعاني يوميًّا ويُكرِّر شكواه من البيروقراطية والتعقيدات في التشريعات واﻹجراءات الحكومية- بمعنى آخر أنْ تُمثل هذه الفئة ضعفَ العدد المشارك الذي يُمثِّل الشركات الحكومية والذين عادةً ما يكون حضورهم بضغط من مجالس الإدارة الحكومية، ومع اﻷيام سيتحوَّل حضورهم إلى حضور شكلي، أضف إلى ذلك خبرات ومعرفة من يُدير هذه المختبرات والحوارات، والمتوقع أن يكونوا مُستوعبِين للدراسات التحضيرية التي تمَّ طرحها أعلاه، والتي سوف تُمكِّنهم تلقائيًّا لفهم هيكلة السوق وعقليات وطباع المشاركين؛ حتى يتمكنوا من احتواء إدارة الحوار والوصول إلى حلول توافقية.

أمَّا بالنسبة لما بعد مرحلة الانتهاء من مختبرات الحلول، فإنَّ الآراء تركَّزت في ثلاثة محاور أساسية؛ أهمها: أن يكون أصحاب القرار هُم من المشاركين الفعليين في هذه المختبرات من (مشرفين ومُنفِّذين) لا علاقة لهم بالتقيم، ولكي يسهل المعنى، إليكم المثال التالي: فكما هو معروف أنَّ برنامج "تنفيذ" يتكوَّن من خمسة مُختبرات، وكل مُختبر يتكوَّن من 40 شخصية يمثلون القطاع الخاص والعام والمجتمع المدني، ويرأسهم وزير القطاع المستهدف، فبإمكانهم تعيين 10 شخصيات يُمثلون القطاعات المختلفة ينفذون ما توصلوا إليه من قرارات، ويكون هناك فريق آخر مصغر من نفس المختبر يُشرف على التنفيذ؛ لأنَّه اﻷكثر استيعابا لهذه الحلول، وأن تترك مُهمة التقييم لجهة غير تجارية ومستقلة ومحايدة، ولم تشارك في أي مرحلة من عمل هذه المختبرات، على أن تُمنح جهة التقييم صلاحيات واسعة لمقارنة ما تم الاتفاق عليه وما تم تنفيذه فعليا، حسب معايير ومؤشرات اﻷداء اﻷساسية والجدول الزمني والجهات والدوائر التنفيذية المناط بها تنفيذ ما يجب تنفيذه، مع تكامل وتجانس ووضوح الرؤية لجميع الفرق المشاركة، وبيان آليات الثواب والعقاب.

وأخيرا.. نتمنَّى لفريق "تنفيذ" أن يُحقِّق ما لم تُحقِّقه البرامج الأخرى، وأن يتميَّز بالاستدامة، ولنعتبر هذا البرنامج فرصةً ذهبيةً لتقليص فجوة عدم الرضا من المجتمع عن اﻷداء الحكومي، ولنضع في اعتبارنا أنَّ الفريق الماليزي لا يملك العصى السحرية، فهم راحلون بعد انتهاء البرنامج مُباشرة، ونحن -أقصد المواطنين- الباقون والمشرفون والمنفذون والمقيِّمون.