مدرين المكتوميَّة
حين تكون مُضطرًا لقضاء ليلة بين أروقة مستشفى ما كمرافق لمريض لديك -نسأل الله السلامة للجميع- تضطر للتكيُّف مع الوضع العام فيه؛ خصوصا بعد أن تستقبل من المشرفين والقائمين بعض النصائح والإرشادات التي تُعينك على مُهمَّتِك في التخفيف وبث رسائل الأمل والتهوين على المريض الذي أنت برفقته.
وهنا.. تبدأ رحلتك في الانتقال من البوابة الرئيسية إلى حيث الجناح/الغرفة التي يُقيم بها من تهتم لأمره -قريبا كان أو صديقا- وأنت في طريقك ترى علامات الحزن والقلق والتوتر على وجوه أتعبتها مرارة الألم، وتسمع أنينا هنا وآهات من هناك، وممرضات في الطرقات يَسْهرن على راحة هذا، وتوفير الخدمات الطبية اللازمة لذاك؛ كخلية نحل لا تكل ولا تتوقف عن العمل، متُدثرة ثوبَ الرحمة، كـ"ملاك" في صورة بشر، اختصه الله للقيام على شؤون عباده ممن أنهكهم التعب والمرض.
ووسط هذه الأجواء المتناقضة ظاهريًّا، تتَّجه إلى إحدى الممرضات الجالسة خلف مكتب الاستقبال بآخر الممر، لتسأل عن الغرفة التي سترافق فيها مريضك، لتفاجأ وأنت تحمل على وجهك ابتسامة هادئة وصوت مُنخفض، بتجهُّم لا يحمل أدنى علامة على "الرحمة" من "ملاك" تفترض فيه الرحمة"؛ وهو مشهد قد يتكرَّر مع البعض، صحيح أنه ليس تعميماً، ولكنه يُرى ويُشاهَد مرات ليست بالقليلة، سواءً في مستشفى حكومي أو خاص.
بالطبع تصرُّف كهذا يُعتبر سلوكا شخصيًّا؛ إذ إنَّ المستشفيات تعدُّ دورا لاستضافة المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية واهتمام مُطلقين، إلا أنك -كمرافق- إزاء مثل هذا التصرف تشعر وكأنك ضيف غير مرغوب فيه، وغير مُرحب به. صحيح أن لكل شخص في الحياة طبيعته التكوينية، وأنه لا يمكن لنا فرض قوانيننا الخاصة على أحدهم، إلا أن الأمر يبلغ من الأهمية مبلغا وشأنا كبيرا؛ إذ يتعلق بفئة يُعوِّل عليها المجتمع في أمر العناية بمرضاهم والعمل على توفير الرعاية الكاملة لهم، والتعامل مع الزائر والمرافق بصورة حسنة، وكما ذكرت فأنا لا أُعمِّم، إذ هناك من تُمارس منهن عملها بكل حُبٍّ وتفانٍ، وتتعامل مع المريض ومرافقيه بكل وُد؛ وهو ما دعاني للقول بأن المشهد داخل المستشفى الواحد يحمل جُملة من التناقضات.
نتفهَّم جيداً صعوبة العمل الملقى على عاتق ممرضي مستشفياتنا، لكن ما لا نتفهمه أن نجد ردودَ فعل لا تتناسب مع تكوين هذه الشخصيات التي لها مكانتها ولديها من المسؤوليات ما يجعل الكثير من المرضى يعتبرونهم الأمل الوحيد لهم بعدما أُغلقت في وجوههم جميع الأبواب؛ مما يجعلنا نتساءل عن الإحباط الذي يُعاني منه العاملون في القطاع الصحي وأسبابه، خاصة وأن "الابتسامة هي مفتاح الشفاء"!!
فالعناية التي يحصل عليها المريض لا تعتمد فقط على تقديم خدمة، فهو ليس في "محل بقالة" ينتظر الحصول على أغراضه مقابل مبلغ يدفعه، بل يحتاج أن يشعر بالاطمئنان والاهتمام والود.
إنَّ مهنة التمريض برسالتها السامية، تحتاج أناسًا يُثمِّنون قيمة تلك الرسالة العظيمة، ويُدركون حجمها، ويدرسون ما تتطلبه من مفاهيم كثيرة وهم على مقاعد الدراسة ويستوعبونها، بما يقوِّم سلوكهم، ويجعلهم يُخلصون للفرصة العظيمة التي منحها القدر لهم.. إن رسالتي في ختام تلك السطور أوجهها لـ"ملائكة الرحمة" التي لا تبستم: إنَّ المشاعر السلبية التي تُوصلونها إلى المرضى بقصد أو دون قصد، تعزِّز بداخلهم مشاعر الركون للألم، والاستسلام للمرض، وتخلق لديهم شعوراً بأن المستشفى هو المكان المشؤوم الذي لا يُريدون زيارته، وإنْ كان لأجل صحتهم.. فابتسموا يرحمكم الله، ابتسموا فالابتسامة مفتاح الشفاء.
madreen@alroya.info