الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية (1)

 

معلم الأزهر عبد الله

 

ما أن بزغ فجر التمويل الإسلامي، وأخذ يتوسع عموديا وأفقيا، ويُقبِل عليه الكثيرون من كل الأطياف والفئات، وإذا بمحاولات التشكيك في هذه الصناعة المباركة تغزو المسامع من خلال إثارة الشبهات والشكوك المختلفة، مرة في اتهام منتجاتها بأنها لا تختلف عن ما عليه البنوك التقليدية، وأخرى في اتهام العلماء المشرفين عليها من الناحية الشرعية بأنهم كيانات تجارية تقوم ببيع سلعها ـ أي فتاويها، فيجيزون ما يجيزونه متى كانت أجورهم كبيرة، ويمنعون ما يمنعونه إذا قلّت هذه الأجور. بل إن بعض المنتقدين غير المنصفين يلمحون إلى أنّ هؤلاء العلماء يمكن أن يمنعوا نشاطا تجاريا ما لسبب شرعي، فإذا ما تم رفع أجورهم، فإنهم يجيزونه. (شاهد على سبيل المثال برنامج "طاش ماطاش"). فهل صحيح أنّ العلماء في المؤسسات المالية الإسلامية هم مجرد رجال أعمال يتاجرون ـ ليس في بضائع ومنتجات ـ بل في دين الله الذي ورثوه عن نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام؟! وهل حقاً يجيزون المعاملات بقدر ما يُدفَع لهم من أجور، ولا يعترفون بالحرام إذا ما تمّ رفع أجورهم؟! وهل صحيح أن فتاوى هؤلاء العلماء الأفاضل هي "صكوك غفران" جديدة في القرن الواحد والعشرين؟!

 

لا بنوك إسلامية بلا هيئات الرقابة الشرعية:

 

بداية، دعنا نلقي نظرة على مكانة العلماء في البنك الإسلامي. فالبنك الإسلامي يٌمكن تعريفه بأنه "مؤسسة مالية تقوم بقبول الودائع، وتقديم التسهيلات المالية والخدمات المصرفية المختلفة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية". هذا يعني أن البنك الإسلامي بداية هو مؤسسة مالية ربحية تتصف بصفات أي بنك، بما فيها على سبيل المثال: وجود نظام أساسي ينص على أنه بنك؛ وجود منظومة مصرفية، وإدارة مالية، ائتمانية، خزينة، سيولة، استثمار، وتكوين احتياطيات المخاطر الاستثمارية، واحتياطيات الديون المشكوكة؛ والموازنة: بين الأصول والخصوم، وبين الإيداعات والتمويلات، وبين الأصول البعيدة المدى والأخرى قريبة المدى إلخ. هذه كلها موجودة في أي بنك تجاري: إسلامي أم تقليدي. لكن ما يميز البنك الإسلامي عن البنك التقليدي هو كون الأول يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في عملياته وأنشطته، بينما الثاني لا يلتزم بذلك. فإذا فقد البنك الإسلامي عنصر التقيد بأحكام الشرع لأي سبب كان، فإنه حينئذ لا يختلف ـ من الناحية الشرعية ـ عن البنك التقليدي.

 

هنا يأتي دور هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية (سواء أكانت هذه الهيئة مركزية لدى البنك المركزي أم فردية لكل بنك على حدة). إن هذه الهيئات تساعد هذه البنوك على تحقيق صفة كون أعمالها تتفق وأحكام الشرع، وتضفي مصداقية على ذلك أمام الجمهور. وحيث إنه من الصعب بمكان أن ينجح القائمون على البنوك الإسلامية وحدهم في تحقيق هذا العنصر ـ الالتزام بأحكام الشريعة ـ لقلة علمهم الشرعي ـ من جهة، ولتضارب المصالح عندهم ـ لو توفر فيهم هذا العلم ـ من جهة أخرى ـ كان لابد من وجود هيئات رقابة شرعية ـ تتكون من علماء معتبرين، يجمعون بين العلم الشرعي المؤصل وفهم سليم للمعاملات المصرفية والمالية الحديثة، ويتمتعون بخبرة عمل طويلة ـ كان لابد من هذه الهيئات لتساعد هذه البنوك على تحقيق هذا المطلب الكبير. فهذه الهيئات " تعد أحد أركان المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وشريانها... وصمام أمانها الذي يحفظها من الإنحراف عن منهجها الذي قامت عليه ومصدر الطاقة التي يولد لها القوة ـ فهي الهوية التي بها تعرف". (د. عبدالحق حميشي، جامعة الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة: "هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية دراسة وتقويم") وهكذا، فبدون هذه الهيئات تكون البنوك الإسلامية مجرد مؤسسات مالية فقط؛ وبها تكون حقًا مؤسسات مالية "إسلامية".

 

تعليق عبر الفيس بوك