على أبواب دمشق

حَمَد الرحبي

منذ أن ظَهَر علينا ما يُسمَّى بـ"الربيع العربي" أو ما سُمِّي فيما بعد بـ"الجحيم العربي"، استدرتُ يمنة ويسرة باحثا عمَّا تنبِّئني به الأيام، وأفقه من خلاله ما تُخفيه حقائق الأمور في سائر الأزمان، فلم أجد لي شافيا ومُفسِّرا لهذا الربيع إلا قراءة أحداث التاريخ، وفعلا بدأت بالبحث في كتب التاريخ عن الثورات وتاريخها ومسبباتها ونتائجها سواءً في كتب التاريخ العربي وغير العربي، شرقا وغربا، وفي ذهني حكمة بل قناعة تجُوْل في خاطري كلما قلَّبت أوراق الكتب: "أنَّ التاريخ لا يرحم، فهو يعيد نفسه"، ورغم هذا وذاك وصلتُ إلى خُلاصة أنَّ هذا الربيع ليس الأول من نوعه في التاريخ العربي، ولعلَّه ليس الأخير، فقد حدثت ثورات وثورات سقط بها ملوك وحكام؛ فكم من عزيز ذل! وكم من ذليل اعتز! وهذه حكمة الله تعالى، ولله في خلقه شؤون.

لعلَّ آخرها ما كان في مصر عام 1952م عندما أُسقط الملك فاروق ملك مصر بربيع مُشابه لهذا الربيع، ومن بعده أُسقط الرئيس محمد نجيب...وهكذا إلى أن انتهت في تلك الحقبة أيضا في ليبيا بسقوط الملك إدريس في العام 1969م.. نعم إنه التاريخ يعيد نفسه، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني وذهن من يقرأ هذا المقال: ما هي مُسبِّبات ونتائج هذه الثورات؟ سوف أختصر لك الإجابة في زمن قلَّ من يُجيبك فيه بأنَّ معظم هذه الثورات بل الحروب التي شُنَّت في العالم على مدار تاريخ البشرية كان دافعها وظاهرها هو الإصلاح والخير ودفع الشر.

سأنبِّئك بالمثال الذي يُوضِّح المقال عندما شُنَّت الحرب الشعواء على أرض الفرات كان الهدف هو الخير المتمثل في الحرية ومساعدة المظلومين وتدمير أسلحة الدمار الشامل كما زعموا، ولكنها الأيام أدارت بوجهها العبوس بغير ذلك؛ فلا حرية ولا عدل تحققا، ولم يجدوا أثرًا لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، وكذلك عندما هبَّت رياحُ "الربيع العربي" كان ظاهرها الإصلاح والحرية والتغيير، ولكن عندما كشفت عن وجهها تبيَّن لنا عكسَ ذلك فلم نرَ سِوَى التدمير والقتل والهلاك والتقسيم.. إنَّه التاريخ الذي لا يَرْحم فهو يُعيد نفسه ولكن هل من مُعتبر؟! ومن يقرأ "مُقدِّمة ابن خلدون" وكتاب "تهافت الفلاسفة" لأبي حامد الغزالي، سوف يستنتج شيئا مُكمِّلا لما ذُكر أعلاه أنَّ من ينتقد أيَّ شي ويُكثر الانتقاد بدعوى الإصلاح هو في الحقيقة بحاجة إلى الإصلاح الداخلي، أي إصلاح الذات والنفس قبل كل شيء، وهذه سُنَّة الله -عزَّ وجلَّ- في خلقه.

... إنَّ هناك من الناس من فَهِم هذه الحقائق جيدًا ولم يخدعه الصيد في الماء العكر كما يُقال؛ ففتحت له أبواب دمشق، ورحَّب به أهلها، واستُقْبِل استقبالَ الأبطال، بعد أنْ كَسَر العُزلة العربية غير المُبرَّرة على سوريا، إنَّه مَعَالي يُوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، عندما التقى في دمشق الرئيس بشار الأسد؛ ليفتح أول صفحات وأبواب الحوار؛ باحثا عن السلام وتحقيق الأمان بنيته الصادقة وعزمه الأكيد على إنهاء مُعاناة أكثر من عشرين مليون مواطن سوري يعيشون تحت وطأة الحروب والتهجير واللجوء من بلد لآخر.

على أبوابك يا دمشق سوف تصطدم رياح "الربيع العربي"، بل الجحيم، وتختفي إلى الأبد؛ فها هي الأيام تدور على نفسها، وها هم أعداء الأمس يطلبون وُدَّ دمشق ورضاها، وهذا ما صرَّح به رئيس الوزراء التركي في إعادة العلاقات مع سوريا إلى وضعها الطبيعي، ناهيك عن الوفود التي تزور دمشق سرًّا وجهرًا بمختلف المزاعم كالتنيسق الأمني...وغيرها، إنَّها بداية النهاية لحرب خطط لها بليل وشنت بليل وستنتهي بليل على أعدائك يا دمشق.

دمشق التي آزرت القضية الفلسطينية ضد العدو الصهيوني بالمال والعتاد، ونصرت فلسطين في زمن قلَّ فيه النصير، وجدير بالذكر تمذَ افتتاح مقر سفارة دولة فلسطين الجديد في العاصمة السورية دمشق خلال الأسبوع الماضي؛ لعلَّها ستكون فاتحة خير ونصر لكي يا دمشق، وتنتهي زوبعة ورياح هذا الربيع، بل هو شتاء قارص جدب لا مَطَر فيه، في وقت انحرفت فيه البوصلة عن اتجاهها الصحيح، وصار الأخ عدوا، والعدو صديقا.

على أبوابك يا دمشق ستتلاشى أحلامُ الطامعين، وعلى أبوابك يا دمشق سيجتمعُ شَمْل العرب كما اجتمعوا طوعا وكرها في نوفمبر 2011م على تعليق عضويتها بالجامعة العربية.

[email protected]