عبيدلي العبيدلي
تقتربُ مِنَّا بعد أيام ذكرى الهجوم على بُرْجَي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 المشؤومة بكل المعايير الإنسانية. وإن كانت هناك حقيقة رئيسة تثبتها الوثائق الأمريكية، الرسمية وتلك التي اجتهد في إلقاء الأضواء عليها من بعض المواطنين الأمريكيين العاديين، وأثبتتها بالقطع البراهين الدامغة؛ فهي أنَّ البلاد العربية إجمالا، ودول مجلس التعاون، وتحديدا المملكة العربية السعودية، بريئة من تلك العمليات الإرهابية التي ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء.
لقد كشفتْ تلك الوثائق والتصريحات والشهادات الشخصية، وبالأدلة والبراهين، مجموعة من الحقائق الأخرى الموازية التي تشير بأصابع الاتهام، بشكل مباشر وغير مباشر، نحو الإدارة الأمريكية، التي كانت حينها بيد الجمهوريين، وتحديدا في ولاية بوش الابن. ويمكن تصنيف العديد منها، نظرا لكثرتها وتعقيداتها من النواحي الفنية، إلى مجموعة من الفئات على النحو التالي:
1- سياسيًّا: وعلى أعلى مستويات صنع القرار في الولايات المتحدة، أثبتت المتابعات الإعلامية عدم استغراب الإدارة الأمريكية حينها بما جرى، فقد كان الرئيس الأمريكي بوش الابن -كما كشفت عن ذلك صحيفة "الديلي ميل" البريطانية- في "مدرسة إيما بوكر الابتدائية، في سارا سوتا بولاية فلوريدا، للمشاركة في تظاهرة للقراءة، ومع تطور الأحداث" لم يقطع بوش زيارته، رغم خطورة الحدث، ولم يعد إلى واشنطن إلا في المساء "ليدلي بخطابه في تلك الليلة". يضاف إلى ذلك ما ورد فيما أصبح يعرف لا حقا بوثائق الـ"28 صفحة"، التي أصر الرئيس بوش على حذفها من "تقارير التحقيقات التي جرت بعد وقوع الحدث عام 2001، وظلت مخفية لمدة 13 سنة". وجميعها تدحض التهم التي وُجِّهت نحو السعودية من أجل إلصاق التهمة بها.
2- على المستوى الاقتصادي: رُصِدت حركة تداول غير مسبوقة في أسهم شركات الطيران الأمريكية، حيث قفز -في 6 سبتمبر 2001- "حجم بيع والتخلص من أسهم شركات الطيران الأمريكية بحجم بلغ أربعة أضعاف حجم البيع والتخلص الطبيعي لهذه الأسهم. وفي 7 سبتمبر قفز حجم بيع والتخلص من أسهم بوينج الأمريكية إلى حجم بلغ خمسة أضعاف حجم البيع والتخلص الطبيعي لهذه الأسهم. وفي 8 سبتمبر قفز حجم بيع والتخلص من أسهم شركة أمريكان أيرلاينز إلى حجم بلغ 11 ضعف حجم البيع والتخلص الطبيعي لهذه الأسهم. وحركة البيع والشراء اللاحقة بعد الأحداث وفرت أرباح وصلت إلى 1.7 مليار دولار أمريكي".
3- على المستوى العسكري: تأكيد العديد من الخبراء العسكريين الأمريكان، أنَّ حجم الثغرات التي تم قياسها في البرجين، وفي مبنى وزارة الدفاع الأمريكية لا يمكن أن يحدثهما اختراق طائرة من نوع بوينج، إضافة إلى أنَّ الحرارة المتولدة من الاشتعال جراء الاصطدام لا يمكن أن تصل إلى الدرجة العالية المطلوبة التي يُمكن أن تصهر أعمدة الحديد والألمنيوم، كما تم رصده من دراسة القطع المتناثرة من جسم البرجين. وفي نطاق الأدلة الفنية هناك شريط الفيديو التي بثته الإدارة الأمريكية ويظهر فيه بن لادن وهو يعترف بمسؤولية تنظيم "القاعدة" عن العملية. لكن التقارير اللاحقة أثبتت أن "الشخص المتحدث لم يكن بن لادن، بل لم يكن حتى يُشابهه، وفي التدقيق بالفيديو رأى مؤيدو نظرية المؤامرة أنه يحمل خاتمًا من ذهب -وهذا ما تحرمه الشريعة الإسلامية- وظهر بن لادن يكتب بيده اليسرى مع أنَّ كل الذين يعرفونه شاهدوه يكتب باليمنى".
هذه الأدلة والشهادات، وأخرى كثيرة غيرها وردت في العديد من الكتابات التي تم نشرها خلال السنوات العشر الأخيرة، تكشف حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن الهجوم على البرجين، عملية محبوكة، قامت بالتخطيط لها، دون السقوط في نظرية المؤامرة كما قد يتوهم البعض، دوائر الاستخبارات الغربية، وعلى وجه التحديد الأمريكية منها. وكان الهدف من ورائها، وعلى نطاق الشرق الأوسط، ما عرفته المنطقة من أحداث خلال السنوات الستة عشر الأخيرة، وفي المقدمة منها الغزو الأمريكي لبغداد والتحولات التي عرفها العراق لاحقا، وحتى يومنا هذا.
لكن الأهم من كل ذلك، وبعد كل الخسائر، المالية والسياسية، التي تكبدها العرب، نجد أنفسنا أمام خجل عربي يتحاشى، قدر الإمكان، الدخول في مواجهة قضائية مع واشنطن نعيد من خلالها عقارب الساعة نحو الوراء، ونكشف بالأدلة الدامغة تورط الأمريكان وبراءة العرب؟!
هذا الخجل العربي غير المبرَّر، ولا المقبول، لا يمكن فهمه إلا من خلال فرضيتين: إمَّا أننا ضحايا مؤامرة لا نستطيع التخلص من ذيولها، ومن ثم نلجأ إلى الصمت خشية تداعيات أكبر، وإما أننا -وبفضل سلوك الخنوع الذي يسود علاقاتنا مع الأمريكان- لا نريد أن نثير حفيظتهم.
وكلا الفرضيتين لا تعفي الأمريكان من جريمتهم، ولا ينبغي أن تجرِّد العرب من حقهم في الدفاع عن أنفسهم من أجل نفي التهم التي لا تزال مُوجَّهة لهم، وتلاحقهم في المحافل الدولية، بل وحتى في عقر دارهم.