حاتم الطائي
يُشرق فَجْرُ اليوم مُؤذناً ببداية عام دراسي جديد، يُشرق معه الأمل بأن يكون عامَ خير على وطننا الغالي، وأنْ نُحقِّق خلالَه طموح خططنا التطويرية التربوية، لنقفز بالإنجازات إلى مراتب أعلى، وإطلالات أوضح؛ تنسجم وما تشهده بلادنا من مُنجزات على مختلف الصُّعد.
وترتسمُ ملامح اليوم وِفْق عِدَّة مشاهد؛ أسْمَاها مشهد أبنائنا الطلاب وهم يتوجَّهون بالآلاف، لينتظموا على مقاعد الدراسة؛ في محضن التربية ومنهل العلم ومنبع الثقافة؛ إذ يُعدُّ التعليم ركيزة أساسية لنهضة الأمم، والقاطرة التي تَعْبُر بالمجتمع نحو آفاق التقدُّم والتطوُّر والنهوض، عبر إنتاج عقول مفكرِّة، وواعية، قادرة على إدارة وبناء مؤسسات المجتمع وركائزه الأساسية، بما يُمهِّد الطريقَ أمام أجيال من الكوادر البشرية تُسهم على حفظ ما تحقَّق، وتَبْنِي مستقبلا أكثر مَنَعة واستقرارا ونماءً.
وفي بلادنا، ولله الحمد، أولتْ حكومتنا الرشيدة اهتمامًا بالغاً بقطاع التعليم؛ إيماناً منها بأنه السبيل الوحيد للترقِّي؛ فبه تُشيَّد الأوطان وتعمَّر؛ فمضت بخطوات ثابتة نحو تطوير مسيرة التعليم من جذوره "الأساسي" وحتى فروعه "العالي". فبعد أنْ كانت الخطط الخمسية من الأولى وحتى الرابعة تركِّز على نشر التعليم في كافة ربوع الوطن، أصبحت الخطط الخمسية من الخامسة إلى السابعة تستهدف تجويد التعليم لبناء مواطن عُماني قادر على خدمة وطنه ومجتمعه، والتفاعل مع العالم الخارجي، لتستهدف الخطتان الثامنة والتاسعة التقييمَ الشامل لمنظومة التعليم بكافة مكوناتها، بما ينسجم ومضامين "الإستراتيجية الوطنية للتعليم 2040".
وبجهدٍ لا يُمكن سوى الإشادة به، عمدتْ وزارة التربية والتعليم ومديرياتها على طول أرض عُمان وعرضها، إلى الارتقاء بالمنظومة التعليمية نوعيًّا وكميًّا؛ وهو ما تترجمه الأعداد المتنامية للمدارس والطلاب والمدرسين والموظفين الإداريين والعاملين في كل مدراس عُمان؛ بما يقود لمستقبل مُشرق تصنعه الأجيال القادمة، تأسيسًا على توجيهات ورؤى مولانا حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- والقاضية باستثمار العنصر البشري؛ باعتباره ثروة البلاد الحقيقية وركيزة تطوُّرها.
ويُدلل على ذلك، حجم الزيادة في أعداد طلاب "المدارس الحكومية" هذا العام؛ حيث ينتظم اليوم 573 ألف طالب وطالبة، على مقاعد الدراسة في 1103 مدرسة، يستقبلهم حوالي 57 ألف معلم ومعلمة؛ ضمن مساعي تجويد النظام التعليمي، والتوسُّع في تطبيق نظامي التعليم الأساسي وما بعد الأساسي، وزيادة كفاءتهما، وتطوير بيئة التعلم بما يتلاءم واحتياجات سوق العمل، وتعزيز نظام القياس والتقويم ومناهج التعليم؛ في سياق نظام إدارة الجودة وتعزيز الكفاءة.
واستهدفتْ مشروعات تطوير التعليم كذلك تحقيقَ تطوير نوعي شامل في جميع المجالات، وفي كافة الصفوف الدراسية؛ تلبية لاحتياجات الطلاب، وبما يرفع مؤهلات المعلمين الأكاديمية ومهاراتهم لتمكينهم من تنفيذ مشروعات التطوير بفاعلية، إضافة إلى الإسراع في عملية تعيين المعلمين الجدد، وتقليل الكثافة الطلابية داخل الغرف الصفية، مع زيادة الوقت المخصَّص للتدريس، وإلغاء المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، وبناء مدارس جديدة، وتطوير المرافق والتجهيزات في المدارس القائمة، وتطوير بيئة التعلم في المدارس؛ من خلال تمكين الطلاب من استخدام أجهزة الحاسوب ومصادر التعلُّم القائمة على الوسائط المتعددة، مع تصميم أنظمة تقويم تُمكِّن الوزارة من معرفة مدى جودة عمل مدارسها ومعلميها، ومعرفة أفضل السبل لإعداد ودعم هذه الأنظمة.
واليوم.. ومع التقدُّم المتسارع في التقنية وبروز المنافسة على فرص التشغيل وتطوُّر أساليب العمل ومُتطلباته، وكذلك التحول الكبير الذي يتطلب أن تكون مُخرجات التعليم مُتوافقة مع مُتطلبات سوق العمل، بات من الضروري مواكبة هذا الحراك الذي لا يهدأ، عبر مُواصلة عمليات الإصلاح والترقِّي كـ"ضمانة اتكاء" على أرض التنمية الشاملة والمستدامة. ولذا، دعونا نُخلص النوايا ونوحِّد الإمكانات والطاقات، لنبدأ معاً عاماً دراسيًّا جديدًا "حقًّا"، نستبشر فيه تحقيقَ المزيد من الإنجازات المهمة؛ خدمةً للعملية التعليمية، وللوصول بها إلى القمَّة المنشودة؛ فالصعوبات التي تقف حجر عثرة أمام عملية الإصلاح، تفرضُ أن تُؤخذ بعين الاعتبار جُملةً وتفصيلاً، من أجل إيجاد حلول لكل منها؛ تتماهى نحو خلق تعليم متميز يُعتمد عليه في عملية التحوُّل إلى مجتمع المعرفة الذي ننشده؛ من خلال تطوير أساليب التدريس لتعتمد في كثير من تطبيقاتها على المحاكاة والتطبيق العملي والتفاعلي؛ إذ قد يشعر الطالب بالملل من الجلوس ساعات طوال على مِقعد الدراسة، وهو ما يُوجِب التفكير في برامج تطبيقية؛ مثل: الزيارات الميدانية والتدريب المهني، وريادة الأعمال، وكيفية تأسيس مشاريع خاصة، بما يُسهم في تغيير الروتين المدرسي التقليدي، ويُكسب أبناءنا مهارات حياتية علمية تُنمِّي لديهم ملكة الإبداع والابتكار؛ عبر برامج تستهدف بناء الشخصية وتطوير المهارات الحياتية والمجتمعية.
إننا ونحن نستقبل العام الدراسي الجديد ليحدونا الأمل في أن تكون معطياته جديدة بالفعل: أهدافه، والإنجازات المأمول أن نحققها فيه، وخطط التنفيذ، وكل العوامل التي تنقلنا إلى واقع تربوي آخر، غير تقليدي، يُسهم في بناء إنسان عصري يستطيع بقدراته أن يُواكب السرعة التي يتطوَّر بها العلم، وهو مُطالب أولاً وأخيراً بقيادتها باقتدار، بكل ما تحمله الكلمة من مسؤوليات وأعباء ضخمة.. ولا ألقي بالمسؤولية هنا على عاتق الوزارة أو المعلم فحسب، بل الأسرة كذلك مُطالبة بالمشاركة في بلوغ تلك المقاصد والغايات؛ فهي الضوء والبوصلة لهؤلاء الصغار، تضيء لهم دروب العلم وتشدُّ على أيديهم؛ من خلال المتابعة والتوجيه والتحفيز، وتتابع الأداء مع المعلمين، ضمن مفهوم "الشراكة"؛ كإحدى الحلقات المهمة في سلسلة إنجاح عملية التعلُّم واكتساب المهارات.
وأختم مُوجِّها رسالتي لأبنائنا الطلاب.. قائلا: من أجلكم بُذلت جهود كبيرة، واستُنفرت كافة الطاقات، لأنكم تستحقون، فأنتم مُستقبل بلادنا وثروتها الحقيقية، فكونوا على العهد دومًا: أبناءً مُخلصين، للمجد طامحين، وبالعلم مُتسلِّحين، كونوا "مَشَاعل علمٍ وقَّادة"، تضيء الدروب وتستحيل الصِّعاب من أجل رفعة وطننا عُمان.