حَمَد العلوي
إنَّ نخلة الفرض المكنَّاة عمانيًّا بـ"عمود الأرض"، أينما وُجِدت هي فأل خير ورخاء، وضمانة من الفقر والشقاء، فيلتقط من ثمارها عابر السبيل حلالا زلالاً من مالكها الأصيل، أما ما استعصم في الغصون وظل في العذوق، فهو حقُّ مالكها المصون؛ فذلك أمر يُشرِّعه العُرف الجميل. أمَّا شجرة اللبان، ففضلها على الناس ليس له قياس، فتكفيك العبرة والحكمة منها، وذلك قبل المنافع الأخرى الكثيرة، فهي تُجرح جذوعها بأداة حادة تسمى "المنقف" فتبادل الإساءة بالطيب، فتفرز مادة عطرية فواحة كريمة، وذلك بعد عدة أيام تتحول الدموع البيضاء إلى مادة صمغية، اصطلح على تسميتها بالذهب الأبيض، وهي وإن لم تكن للإنسان غذاءً مباشراً، إلا أنها تأتي بالمال لاحقاً من البيع والشراء، وفي دمعها الصمغي عطرٌ ودواء، وشفاء من أمراض معاوية أو صدرية، فوطن هذه بعض من صفات أشجاره؛ فكيف تنتظر من أخياره من بني البشر، أن يبادلوا الآخرين ليس إلا بالخير العميم.
ولقد كتب الزميل زاهر المحروقي عن خطر الكلمة، خاصة إذا تسرَّع العابرون بها في تصديقها قبل تدقيقها، وهو طرح أحييه عليه صراحةً، إذ إن هذا ما يحدُث للأسف من قبل أصحاب النوايا الحسنة، فيُسرعون في التصديق؛ قياساً لما تكنُّه أنفسهم من سجايا حسنة تخلو من الغش والخبث والتدليس؛ لذلك سأنحو منحاً آخراً في مناقشة هذه الأزمة الأخيرة (إنْ صحَّ لي وصفها)، خصوصا وأن أصحاب الأهداف الهدامة من الحُسَّاد والفاشلين -وهم بالطبع ليسوا كُثر- أثرهم للأسف الشديد بات بالغ الخطورة والضرر، لأنهم يملكون السلاح الأمضي وهو "الكلمة الملونة" في ظل فضاءات مفتوحة وموجَّهة. لأقول: إنه وعلى إثر الزوبعة التي تبنتها الزميلة "الزمن"، فإنني أرى أن الدولة قد تكون مسؤولة هي الأخرى عن القسم الأكبر من دفع الناس إلى الغبيب (مفردها غبة) الراجنة لتصيُّد المعلومة، وذلك لشح البيانات الرسمية التي يريدها المواطن، ويطمئن لمصداقيتها وصحتها.
والمواطن العُماني وهو يقفُ حائراً، اليوم، أمام هذا الواقع في حالة انتظار وترقب، يتفاجأ بسيل جارف من المعلومات، تنهمر عليه من الفضاء الافتراضي ومن قبل جهات لها أهدافها الواضحة، فتبثُّ ما يُشبع شغفَ الناس للمعلومة، بصياغة خبرية تتوافق ووسَوْسَة بعض النفوس، خاصة تلك الطرية الندية منها. وهؤلاء المرسلون يدرسون جاهزية المتلقِّي، لكي يتقبل ما يرسَل إليه من قول عليم في ظاهره، لئيم في باطنه، فهو كلام معسول مغسول بالسم والدسم، وهم يعملون من خلال مراكز دراسات متخصصة، فكل همهم هدم الأعمدة القوية، حتى لا تظل هناك دولة قوية الأركان، وعصية البناء على الرياح والأعاصر التي تعصف بالمنطقة.. خصاة وأن النجاح والشر ضدان لا يلتقيان.
إنَّ الذي لا يغيب عن ذهن الإنسان الفطن أنَّ الكثير من كُتَّاب الفرصة الانتهازية، لا يفوِّتون انتهازَ كل شاردة أو واردة تصل إليهم دون توظيف؛ فيشوِّهون للقارئ المواقف الوطنية الرصينة، ويشعرونهم بأنهم في أعينهم، بينما هناك أشياء تؤسَّس بخبث ليقطف ثمارها لاحقاً.
إنَّ سيل هذا الواقع قد بلغ الزُّبى، فكثرة التكتم والتحفظ، أصابت الناس بالإحباط؛ فعلى المرء أن يتخيَّل لو أنَّ كل شائعة تصرَّفت الحكومة استجابة لها، فكيف يُمكن حينها التحدث عن مصداقية للدولة؟! وفي المقابل فإنَّ أيَّ اتهام يُتمهَّل في الرد عليه ودحضه قد يُفسَّر على أنه صحيح. إذن، ولكي لا تُقطَع شعرة الوصل بين الناس والدولة، يكفي أن يُطلب من مثير أي موضوع أن يجد أبواباً مفتوحة أمامه، فيعطى الأمان لحُسن النية حتى ولو لم يوفَّق، ويشكر على جهده وغيرته. كما أن أيًّا من حكومات العالم (والسلطنة جزء منها بلا شك)؛ مطالبة بتعزيز قيمة الشفافية الحقيقية بين الحاكم والمحكوم، حتى لا تترك الساحة مفتوحة لزوار العتمة والظلام.. حفظ الله عُمان من شرِّ المكائد والمصائد، وأنعم الله على سلطاننا العظيم بالخير والصحة والنصر المؤزر، وليهنأ شعب بلادي بالعصمة والعزة والرخاء، إنه سميع مجيب الدعاء.
Safeway.om@gmail.com