الكارثة المستشرفة

د. عبدالله باحجاج

هل كل محافظات البلاد جاهزة لأية أنواء مناخية مُقبلة؟ وإن لم تكن جاهزة بصورة كاملة، فما هى نسبة جاهزيتها؟ ومن المسؤول عن متابعة قضية الجاهزية؟ هناك عدة معطيات تجعلنا نطرح مثل هذه التساؤلات المهمة الآن؛ أبرزها: ما حدث مُؤخرا بصورة فجائية لولاية المزيونة، وكذلك المنخفض الجوي الذي هز محافظة ظفار قبيل فصل الخريف، وكلا الحالتين المناخيتين لم تقدَّر حقَّ قدرها تنبؤيًّا، ومن ثمَّ إعلاميًّا، رغم تجربتنا مع الأنواء المناخية طوال السنوات الماضية؛ ففي الحالة المناخية العامة هطلتْ أمطار خفيفة منذ الصباح الباكر، وبُعَيْد أذان المغرب، انفجرتْ الأمطار الغزيزة والمتوسطة مصحوبة برياح شديدة، أعادت القصص القديمة، من حيث البِرَك وقطع الشوارع، لكن هذه المرة، اختبرت مشاريع عملاقة كمطار صلالة، الذي لم يصْمُد في أول اختبار حقيقي له، غير أنَّه تم تمريره بحجة انسداد تصريف المياه وتحميلها مسؤولية غزو مياه الأمطار إلى داخل المطار، وأية أنواء مناخية مُقبلة ستوضِّح لنا الحقيقة، ويستوقفنا كذلك، عدم صمود مرافق حكومية أمام تلك الحالة الجوية التي لم تستغرق ذروتها سوى دقائق معدودات، فكيف لو كانت أشد؟ وكيف لو استمرت وقتا أطول؟ والتساؤلات سالفة الذكر تُطرح كذلك في ظل ما يتردَّد الآن على نطاق محدود من أنباء عن حالة مناخية بدأت تتشكل؛ فهل فعلا كل المؤسسات والمرافق الحكومية والعمومية والخاصة جاهزة لأية أنواء مناخية؟ ومسألة توقع أنواء مناخية مسألة محسومة، وهى معلومة عند الكل، ما جونو وفيت وشابالا وأشوبا...وأخواتها المتعاقبات سوى نماذج تدلل على العلم بالضرورة، فما مدى جاهزيتنا الآن؟ ينبغي على كل مؤسسة أن تطرح هذا التساؤل على نفسها، وأن تهيِّئ مُنشآتها ومرافقها لأسوأ الاحتمالات، وهذا جزء من مهام أطرها الإدارية، فلن يُعذَر أحدٌ بضعف أو بقدم المرفق أو المنشأة، فالقديم لابد أن يتأهل فورا، والجديد يسارع في تأمين عيوبه فورا، وتكرار الأخطاء سوف يثبت فشل الجانب الإداري؛ لأنه ليست مهمته الوحيدة التسيير الإداري الاعتيادي، وإنما استشراف التحديات ومواجهتها قبل أوانها؛ فعلى كل مؤسسة أن تعمل خارطة بالتحديات المقبلة فورا، وأن تعمل على استيعابها سريعا؛ فبلادنا تقع ضمن دائرة استهداف الأنواء المناخية المتكررة والمتعاقبة بسبب موقعها على بحار مولدة للأنواء المتتالية على مدار العام، كبحر العرب والمحيط الهندي، ولن تُشكِّل -ولا ينبغي أن تشكل- أية حالة مناخية مقبلة مفاجأة لأي مواطن أو مؤسسة حكومية أو خاصة، وهناك تحدٍّ يُعدُّ من أكبر التحديات التي ستواجه محافظة ظفار في حالة تعرضها لأية أنواء مناخية شديدة، وهى عدم جاهزية بعض مجاري السيول، وأخص بالذكر هنا المجرى الذي في صحلنوت القابع فوق السد المعروف بسد صحلنوت، وهو من بين أكبر السدود في البلاد، وقد كنت شاهدَ عيان على استقباله لكميات الأمطار الاخيرة؛ ففي داخل الوداي أتربة وأحجار كثيرة عرقلتْ سير المياه عبر هذا المجرى، ولو استمرَّ هطول نفس كميات الأمطار لفترة أطول، لخرجت من مسارها في الوادي، ومن ثمَّ دخلت المنازل القريبة منها، وحدثت الكارثة -لا قدر الله- فكيف لو امتلأ سدُّ صلحنوت بالمياه، وتم تصريف كميات كبيرة منها عبر هذا المجرى؟ ومن هذه التجربة ندق ناقوس الخطر خاصة بعدما لاحظنا أنَّ معظم مجاري الأودية غير جاهزة لأية أنواء مناخية، وبعضها قريب منها مراكز تجارية كبيرة، وبعضها تقع في منتصفها مساكن للمواطنين، هل ننتظر وقوع الكارثة أم نسارع إلى تفاديها فورا؟ والوضع أكثر سوءا خارج صلالة، فمن خلال الأنواء المناخية السابقة، شهدنا مساكن للمواطنين قد غرقت، ومرافق عمومية قد غزتها السيول.. إذن، على كل مسؤول أن يطرح تساؤل الجاهزية ونسبتها فورا، ويعمل فورا على المعالجة، لكن: هل هذا الوضع عام أم خاص بمحافظة ظفار فقط؟ لن نُعمِّم على مستوى السلطنة؛ فرُؤيتنا الإقليمية للمشكلة تجعلنا نُصدِر تعميما محفوفا بالمخاطر الإنسانية والاقتصادية؛ فالعمل في تهيئة المجاري يسير كسير السلحفاء رغم وجود توجهات عُليا بجاهزيتها، فقد أنيطت التهيئة لشركات جل همها الاستفادة من إمكانيات مجاري الأودية دون متابعة رسمية. ومن هنا، تقوم هذه الشركات بعمليات التهيئة وفق حاجاتها اليومية من أتربة الأودية، وليس من منظور الحاجة الزمنية الملحَّة للتهيئة لمواجهة المخاطر المحدقة، وهذا يُفسِّر لنا جزءا كبيرا من أسباب عدم جاهزية مجاري الأودية لأسوأ الاحتمالات، كما يضعنا هذا أمام إشكالية التوجيهات وتطبيقها، فمن ينبغي أن يتحمل مسؤولية الجاهزية من عدمها؟!

مهما تعدَّدت الجهات الحكومية داخل كل محافظة من محافظات البلاد، سيظل الحكم المحلي فيها هو المسؤول عن الحدود الإدارية للمحافظة؛ ففي محافظة ظفار مثلا، فإن مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار هو المسؤول الأول والأخير عن قضية الجاهزية، ويشاركه فيها المجلس البلدي المنتخب، فمثل هذه القضايا ينبغي أن تتصدر اهتماماته، ونقترح هنا خصوصا -وعلى سبيل النموذج المعمم- تشكيل لجنة للطوارئ خاصة بقضية الجاهزية من عدمها، للإشراف على الأهلية، ومن ثم رسم خارطة بالاحتمالات المقبلة في ضوء نسبة الجاهزية، وكيفية العمل على تفادي مخاطرها على الأرواح والممتلكات في ضوء تجاربنا السابقة مع الأنواء المناخية، كما لم تقنعنا الجهات المسؤولة الأخرى عن دورها في رفع الوعي الاجتماعي بمخاطر الأنواء المناخية، فكنا نتمنى أن تستغل كل المناسبات بما فيها السياحية عبر إقامة معارض توعوية وندوات تعرف المواطنين والمقيمين في بلادنا بمخاطر السيول والصواعق ومسبباتها وطرق دَرْئِها وتلافيها، فهل سنسارع إلى تشكيل هذه اللجنة فورا على مستوى المحافظات أم سننتظر الكارثة المستشرفة؟ وهل ستعمل كل جهة حكومية وخاصة لاستشراف التحديات التي ستواجهها مستقبلا، والعمل على تلافيها أم سننتظر التحديات المباغتة؟ لا عُذْرَ لتكرار الكوارث الملازمة لهطول الأمطار على مدننا، وهى حتى الآن، تتكرَّر كلَّ عام وتلحق نفس الأضرار بشكل متفاوت بحسب نسبة تساقط الأمطار، فلو تكرَّرت فلابد من مغادرة كل فاعل حكومي لم يعمل مسبقا على درء المخاطر؛ فالعيب ليس في المؤسسات وإنما في الفاعلين الذين شرفوا بحمل أمانتها.. ولم يكونوا على مستواها، والقضية هنا قضية أرواح.. فهل لدينا الآن استشراف بماهية الكارثة المستشرفة؟!