حديث النفس

 

 

مدرين المكتومية

ذات يوم، حين تجلس وحيدًا في غرفة لا تحوي إلا أنفاسك، وبقايا عطر أحدهم ستتذكر كم كنت متأثراً به وبوجوده، وفي زوايا تلك الغرفة الأشبه بزنزانة صغيرة ومدللة ستكون منضدة لا يوجد عليها إلا زجاجة عطر الشنل، ومرآة صغيرة، تحملها لترى كم تغيَّرت ملامحك مع الوقت، وكم من الخطوط ظهرت تحت عينيك بفعل الزمن، كم هو مُحزن أن تكون النهاية هي مكان خالٍ ووحدة مأساوية، ومن المحزن ألا تكون قادراً على أن تُقدم السعادة لأحدهم ولا أن تشتري سعادتك من أحد، لا تمتلك سوى رصيد الذكريات الذي يُلقي بك نحو مفترقات لا نهاية لها.

ذلك اليوم سيأتي حتماً، دون انتظار وترقب، سيأتي ليُخبرك أنك السنين قد مرّت بسرعة، حتى إنك ما عُدت تمتلك الوقت لتبدأ من جديد لتعيش قصصاً أخرى، أصبحت وحيداً بعد أن كان العالم بأكمله حولك، وهناك من يُحبك ويحتضنك في ساعات كهذه الساعات التي تشعر بها الآن، وحيداً وحزيناً ومحطماً ودموعك تتأجج في عينيك في أي لحظة ستنهمر كقطرات غيثٍ قدرها أن تتساقط في لحظاتٍ غير متوقعة، في تلك اللحظة ستتذكر أنك أخطأت في حق نفسك قبل الآخرين وستفكر مرارًا وتكرارًا في أن الوقت قد فات على تقديم كلمات وعود وعهود لأحدهم، وأنك غير قادر على الاعتذار لمن أحببتهم يوماً لأنّهم ما عادوا يذكرونك أو ربما تناسوا وجودك لسبب أو لآخر.

تلك اللحظات ستمُر لا محالة لأنك لم تخطط أبداً ولم تستوعب أن للبشر طاقات وأنهم لا يملكون القدرة على تحمل مزاجيات أحدهم، ستتذكر كم كنت قاسياً مع ليلى وكم كنت ساذجاً مع نهى، وكم كنت جاحداً بحق خالد، ستتذكر أنّ خسارتك لهم بسبب أنانيتك الزائدة وبحثك عن عالم غير العالم الذي ينتمون إليه، ستتمنى لو يعود الزمن بك للوراء كي تعيش معهم، وتلتقيهم في فسح المدرسة على ساندويشات وعلبة عصير، بعيد عن هؤلاء النَّاس الذين عرفتهم متأخراً ولا تلتقوا إلا على صفقات بالألف.

يالها من حياة تعاملتم فيها مع البسطاء ممن يحبونكم بكل أنانية وكبر، وتبعتم من كان يصنع في دواخلكم حب المال والجاه والسلطة، وجريتم خلفها، وها أنتم اليوم لديكم من الأموال الطائلة ما يُعيل قرية بأكملها ولكنكم وحيدون، بدون أي ليلى أو نهى أو خالد، قابعون في غرف مظلمة ووحدة قاتلة، تسترجعون ما تبقى من ذكريات القرية البسيطة وتنقمون اللحظة التي تعرفتم فيها على هؤلاء الناس الذين مدوا لكم طريق المال وأنسوكم أن الإنسان بلا أصحاب ذكرى إنسان، أنسوكم أنهم سيرحلون يوماً دون سابق إنذار وستكون نهايتكم بعدهم حزينة حد الكآبة، فلأجل ذلك خططوا لحياتكم يا أصحابي وعيشوا الحياة بمبادئ الإيثار والحب والعطاء والتضحية لا بالأنانية وحب السلطة والرفعة، فكل ما سيبقى لكم ذكرى وأناس قد تجمعكم بهم صدفة لتكتشفوا أنهم أفضل منكم بكثير وحققوا ما لم تستطعوا تحقيقه، وملكوا ما لم تستطعوا امتلاكه وهو الحب والصفات الرائعة التي تصنع لهم بصمتهم بين النَّاس وتظل ذكراهم خالدة في مختلف المجالس والمحافل، فهم لم يأتوا للحياة لأجل هدف واحد ولا حولوا الأهداف إلى وسائل والوسائل إلى أهداف بل تمسكوا بمبدأ النوايا السليمة تجلب الأقدار الجميلة دون تخطيط ودراسة.

 

madreen@alroya.info