د. عبدالله باحجاج
من الاسم، يبدو الأمر طبيعيا، باستثناء كلمة "رينبو"، وحتى هذه الكلمة لما تدخل في سياق تلك الجملة تعطيها الشرعية حتى دون إعمال العقل عند الشباب، وعند الكثير من أولياء أمورهم، ولن يتردَّد شبابنا في الحضور استجابة لدعوة اللوحات الترويجية لفعالية الرينبو التي حظيت برعاة عدة شركات ومؤسسات محلية بارزة وعالمية تهمها كثيرا ترويج ونشر الرينبو بين صفوف شبابنا، فما هى الرينبو؟ هى مهرجان يطلق عليه بالهولي أو الألوان، وهو المهرجان الشعبي للهندوس يُحتفى به بالربيع في الهند والنيبال وبنجلاديش وسريلانكا.. والدول التي بها جالية هندوسية كبيرة، ومن أهم ما يميزه تحرير المحتفلين من القيود الاجتماعية أو الجنس وسط الغناء وإلقاء مساحيق الألوان المختلفة ورش المياه الملونة على بعضهم البعض، وله جذور دينية ترتبط ببعض الأساطير الهندوسية، فهل هذه من العادات التي ينبغي أن تشجعها الجهات الحكومية؟ وهل تشكل عنصرَ جذب سياحيًّا للسياحة العائلية؟
شاهدنا عبر مقاطع في اليوتيوب شباباً من كلا الجنسين في رقص غنائي صاخب، وظهور بشكل ينافي عاداتنا وتقاليد، ويمس منظومة قيمنا، لن نتوقعه في مجتمع محافظ، يعتز بهويته، وفي الوقت نفسه منفتح على التطورات المرنة التي تخدم تقدمه دون التخلي عن أهم أسس ومقومات هويته، وقد أقيمت هذه الفعالية في أحد المرافق السياحية القريبة من مهرجان صلالة السياحي، ويُثير حالة من الغضب الاجتماعي واسع النطاق حتى الآن؛ حيث لم يُصدِّق مجتمعنا وقوعه بمباركة الجهات الرسمية وبرعاة الشركات المحلية على وجه الخصوص ومنها حكومية. والسؤال: كيف تمت الموافقة على هذا؟ ومن خلال تتبعنا لتاريخ هذا المهرجان، ومسار انتقاله بين بعض العواصم الأجنبية والعربية، بدا لنا وكأن وراءه أيدي خفية تعمل على نشره وتعميمه لدواعٍ أيديولوجية، فانتشر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لوجود جاليات هندوسية كبيرة فيها، كما أصبح يتبناه فاعلون اقتصاديون ومن مؤسسات المجتمع العربي من دول عربية وأخرى أجنبية تحت أطماع المال؛ فهل اللوبي الهندوسي من يقف وراء انتشار مهرجان الألوان لأسباب أيديولوجية متعلقة بديانتهم؟ هذا الاحتمال تطرحه الرؤية التحليلية لتطور هذا المهرجان ونشره خارج بلدان الهندوس، ويدعم موضوعيته، هوية بعض الرعاة الذين يدعمون إقامة هذا المهرجان في الدول التي ليس بها جاليات هندوسية كبيرة، فهل يتم الآن ترسيخ هذا المهرجان في بلادنا؟ يبدو لنا أن هناك مخططا مدروسا بعناية، يهدف إلى توطين هذا المهرجان ليس في فئة الجالية الهندوسية في بلادنا، وإنما في صفوف شبابنا، بدليل إقامته سابقا على نطاق ضيق، وأمس تمَّ التوسع فيه شكلا وماهية، ويمكن في الأعوام المقبلة يتوسع، ويكون لعدة أيام، ويوازي مهرجان صلالة السياحي القريب منه جغرافيا، وما نسختيه سوى جس نبض ردة فعل المجتمع، فأين حراس المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده؟ لا يمكن أن تكون مثل تلك المهرجانات من توجهات الدولة الجديدة، فكلنا على اطلاع تام بها، ولن تكون أبدا، فهذا النوع حتى وإن أُخذ من منظور التقاليد أو كجزء من ثقافة الشعوب الأخرى، فتوطينه كممارسة مجتمعية ترعاه الدولة مرفوضة سياسيا؛ لأنها ستقلب البنى الفوقية للمجتمع عاليها سالفها، وسوف يكون لها ردة فعل مجتمعية عكسية لو تأصلت. ومن هنا، لن نسلم بوجود خطأ غير مقصود، فلو سلمنا بذلك، فهل كل الأحداث السابقة والمماثلة وراءها مثل هذه الأخطاء؟ ولماذا تتكرَّر؟ نميل إلى ترجيح الاستهداف المزدوج المشار إليه، في حالات تكون تحت دوافع نفعية، وفي حالات سياسية، ولدينا الدليل سوف نتعرض له لاحقا، وفي حالات أخرى مشتركة بين النفعية والاختراق القيمي، وندرج مهرجان الألوان ضمن الحالات الأخيرة، أي ثنائية الاستهداف؛ ففيه رسوم سبعة ريالات على كل فرد، وفيه محاولة ترسيخ عادات وطقوس دينية أجنبية تخالف شكلا وجوهرا عاداتنا ومنظومتنا القيمية والأخلاقية، والفيديو المسرب عبر اليوتيوب استدلالنا على ذلك، فكفى قنابل اختبارية لردة فعل المجتمع، وهذا يذكرنا بخيم الرقص التي نُصِبت في سهل إتين منذ عدة سنوات ماضية، وأغلقت بردة فعل مجتمعي ضاغط، ويقال على نطاق ضيق بأن هناك تطلعا من بعض المتمصلحين لإعادتها تحت مُسمَّى الرقص الراقي، إذن: هل يأتي هذا المهرجان كاختبار للموقف الاجتماعي؟ الشيء بالشيء يذكر، ومنهجية المقارنات تستدعي كل شيء له علاقة من قريب أو بعيد بالموضوع، وذلك حتى نضع الرأي العام في السياقات بصرف النظر عن مدى التلاقي الارادي، لكنها تقاطعات ترتبط بالسياقات؛ مما يُحتِّم إثارتها حتى تتضح الرؤية لصناع القرار. إذن، هذا الحدث لا ينبغي النظر إليه بمعزل عمَّا جرى وما يجري وما سوف يجري، فلو فتحنا نافذة صغيرة على ما جرى، فسوف نجد في معظم مناسباتنا السياحية يفجرون قنابل مماثلة تمر على أجهزة الرقابة الحكومية المعنية بقطاع السياحة، وذاكرتنا تحتفظ بالكثير من الأحداث، وكلها تستهدف منظومة القيم والأخلاق، وقضية الاختراق غير البريء مُتعدِّد الأشكال، ويمكننا أن نرى من تلك النافذة كذلك الندوة التي كانت تُعقد سنويا على هامش فعاليات الخريف تحت مسمى "تكوين القادة"، والتي تكلمنا عنها في مقاليْن قديميْن، فوراءها جهة أجنبية -معلومة- وللأسف استمرَّت لسنوات، وللأسف كانت تغطَّى إعلاميًّا بصورة مباشرة، وتحظى بدعم رسمي، وهذا أكبر تغرير بالشباب، فعندما يروا سيارات (...) تنقل المشاركين بمن فيهم بعض سفراء الدول الأجنبية، فلن يشكُّوا في النوايا ولا التوجهات، وسيقدمون على هذه الندوات بنفس آمنة ومطمئنة حتى يقعوا في المحظور، عندئذ من ينبغي أن نحاسبه؟ هؤلاء الشباب المغرَّر بهم أم الفاعلين لهذه الندوة؟ وهذا كان من أكبر أخطاء هؤلاء الفاعلين الذين لم يستدركوا المسألة إلا مُؤخرا، وهذا أفضل نموذج على الاختراق الأجنبي لمجتمعنا.
... إنَّ استدعاءنا لقضية تكوين القادة في قضية الرينبو من أجل التوصل إلى النتيجة التالية، وهى أن شبابنا هو المستهدف من أية اختراقات سابقة أو راهنة أو مقبلة بدوافع سياسية واقتصادية وأيديولوجية؛ فشبابنا من الجنسين مُستهدفون من ندوات تكوين القادة، وهم كذلك من قبل مهرجان الألوان. الأولى هدفت لتغيير الأفكار من أجل تحقيق أجندة اجنبية. والثانية تمرِّر مُعتقداتها عبر وسائل ترفيهية، لكنها مقابل ذلك، تحطِّم قيما وعادات اصيلة، وربما يأتي الحديث في وقت ما عن تمكن الخارج من تحويل شبابنا دينيا أو فكريا، فأين دور الفاعلين الذين شرفوا بحماية القيم والأخلاق؟ من المسئول؟ لابد من تحديد المسؤولية، وتحميلها كل التبعات، ما حدث يوم السبت، يشكل انتهاكا صارخا لا ينبغي أن يتكرر أبدا، فالنعم، كالأمن والأمان والاستقرار، والسلم الاجتماعي، ورحمات خريف 2016 غير المسبوقة تستوجب الشكر والحمد، لا الرقص الرخيص بتلك الكيفية المائعة والمستهجنة؛ فبالشكر تدوم النعم.