"سبارتا الصغيرة".. ملحمة سينمائية توثيقية بين التاريخ والسياسة برؤية منصور الظاهري

...
...
...
...

 

 

مسقط - الرُّؤية

استمدَّ الكاتبُ والمخرج منصور اليبهوني الظاهري، اسم الفيلم الوثائقي الطويل الجديد "سبارتا الصغيرة" من مقولة أطلقها كبار جنرالات التحالف الدولي على دولة الإمارات العربية المتحدة؛ كناية عمَّا تمثله القوات المسلحة في هذه الدولة -صغيرة المساحة- من قوة فاعلة ومؤثرة في مجربات العمليات العسكرية في الحرب على "داعش"؛ حيث إنَّ دولة سبارتا أو "إسبرطة" في اليونان القديمة امتازتْ بقوة جيشها رغم قلة عدده، وواجه جيشها الفرس أثناء دخولهم أوروبا، وانتصروا عليهم بطريقة كشفت بسالتهم وشجاعتهم وحسن تدريبهم.

ومن هذا المنطلق، يبدأ الكاتبُ والمخرجُ الإماراتي منصور اليبهوني الظاهري، طرحَ رؤيته بطريقة من قراءة تاريخية عميقة للمنطقة؛ فوثَّقها بحرفية عالية استخدم فيها أحدث تقنيات وأدوات الإخراج السينمائي الحديث، إضافة إلى تميُّز كتابة السيناريو التوثيقي وكأنك تتصفَّح كتابًا مشوقًا؛ حيث جزَّأ الفيلم إلى 9 أبواب -أو فصول- وجعل له مقدمة وعنوانا لكل فصل، وخاتمة للفيلم فيها هدف ورسالة هذه الوثيقة.

وينطلقُ الفيلم الوثائقي والملحمي "سبارتا الصغيرة" من فكرة أنَّ الدول ليست بحجمها ومساحتها، بل بعزيمة رجالها وبإيمانهم العميق بأنه بالمثابرة والاجتهاد تعلو الأمم. ولشرح هذه الفكرة، يُوثِّق لنا الفيلم حقائقَ عديدة نجدها واضحة في سيناريو مكتوب بحرفية عالية وجمالية واضحة؛ ليبدأ خلق الكون وسعي الإنسان للبقاء على قيد الحياة، في مقابل الطبيعة القاسية آنذاك، فلا يجد بُدًّا من اختراع أدوات لحماية نفسه وهنا تكمن الخطيئة.

ويتنقلُ الفيلم في أبوابه "فصوله" التسعة من حقبة تاريخية إلى أخرى وبالصورة والوثيقة لصراع أزلي بين قوى الخير والشر؛ بدءًا من قصة مدينة سبارتا وانتصار حاميتها قليلة العدد على إمبراطورية الفرس بفضل تدريبهم وعزيمتهم، مرورا بحدث تاريخي ومفصلي في المنطقة؛ حيث ظهور وولادة الدين الإسلامي وإلهامه لمئات الألوف من البشر وانتشاره في المنطقة وجوارها.

وكما هو معروف، فإنَّ قوى الشر كانتْ ولا تزال تتربص بجيرانها وتتصيد أخطاءهم وهفواتهم، وتسعى للانقضاض عليهم؛ لينتقل بنا الزمن إلى مملكة هرمز، ومرة أخرى تسعى تلك القوى الشريرة إلى السيطرة عليها؛ من خلال اللعب على تناقضات واختلافات الإمبراطوريات الحاكم في تلك الحقبة، وانتصار جديد للخير نتيجة تنبه وتحالف دول الجوار العربية مع الحق واستطاعوا قهر هذا العدوان.

وانتقال جديد إلى عصرنا الحالي، وذِكْر مُوجز لتاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة وتطورها بالصوت والصورة، يُسلِّط فيه الفيلم على أحد أهم عوامل الازدهار؛ نتيجة التناغم والتعايش بين أفراد المجتمع ومدى التسامح الذي أرسي دعائمه حُكَّامها الشيوخ وشعبها مع المقيمين؛ حيث تم توفير سبل العيش الكريم لهم.

وسبق هذا المشهد تنويه عن ظهور بعض الجماعات التكفيرية المتشددة في العالم والمنطقة، والتي تدَّعي تمثيل الإسلام وهم بعيدون عنه. وفي ظل هذين المشهدين التناقضين، يُوضِّح لنا الفيلم سبب إطلاق اسم "سبارتا الصغيرة" من قبل قادة التحالف الدولي للحرب على "داعش"؛ كنايةً عن بسالة جنود وضباط القوات المسلحة الإماراتية، وفاعليتهم المؤثرة في هذه الحرب.

ويتخلَّل الفيلم سرد لتاريخ مشاركات الإمارات في عمليات حفظ السلام والدفاع عن الأمن والسلم العالميين، وعمليات الإغاثة الإنسانية، موثقة بالحدث والصورة، والدور المحوري والرائد الذي كان لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في دعم ورعاية المؤسسة العسكرية في الدولة خلال 30 عاما من مسيرته العملية؛ فكان له الفضل في تطويرها وتقدمها على كافة الأصعدة.

وامتدادا لهذه المشاركات، يُوثِّق الفيلم في فصل خاص مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة في عمليات "عاصفة الحزم" لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية ودور قيادتها الحكيمة؛ وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سمان بن عبدالعزيز آل سعود.

ولم يغفل السيناريو تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والوطنية في هذه الحرب من خلال عرض لحظات مُعبِّرة عن زيارات صاحب السمو الشيخ مُحمَّد بن زايد آل نهيان وإخوانه الشيوخ لمجالس عزاء شهداء الإمارات، والتي أكَّدت مدى تلاحم الشعب مع قيادته الحكيمة كذلك زيارتهم للجرحى والمصابين من افراد القوات المسلحة والذين ابدوا بسالة وحب لوطنهم وقادتهم وليختتم الفيلم ابوابه بسد حقائق أمنت بها دولة الامارات منذ التأسيس على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وحتى مرحلة التمكين برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله.

تعليق عبر الفيس بوك