عبيدلي العبيدلي
مجرد أن أعلن "التلفزيون المصري الرسمي، الثلاثاء 2 أغسطس/آب، (خبر) وفاة العالم المصري العالمي الدكتور أحمد زويل، بعد صراع مع مرض السرطان"، تسابقت مؤسسات الإعلام العربية الرسمية منها والخاصة في نقل سيرته الذاتية، والإشادة بإنجازاته. ومما جاء في تلك التغطيات أن "أحمد حسن زويل، عالم كيمياء مصري وأمريكي الجنسية، حائز جائزة نوبل في الكيمياء للعام 1999، على أبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو حيث قام باختراع ميكروسكوب يقوم بتصوير أشعة الليزر في زمن مقداره فمتوثانية، ما يمكن من رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية، وهو أستاذ الكيمياء والفيزياء في معهد كاليفورنيا للتقنية، وبأنه (يعد) من أبرز علماء العالم، نظرا لأبحاثه ومجهوداته في العلوم الكيميائية والفيزيائية التي أحدثت ثورة علمية حديثة، وجاء هذا النجاح عقب رحلة طويلة من الكفاح".
بالإضافة إلى ذلك وردت قضيتان أخريان في سيرة زويل الذاتية الأولى إعلان البيت الأبيض في "أبريل 2009، عن اختيار أحمد زويل ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا، والذي يضم 20 عالما مرموقا في عدد من المجالات، كما تم تعيينه كمبعوث علمي للولايات المتحدة لدول الشرق الأوسط".
أمّا الثانية فكانت مشاركة زويل "الفعالة خلال أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك وأسفرت عن العديد من التغيرات الدستورية والحكومية، كما كان أحد أعضاء لجنة الحكماء التي تشكلت من مجموعة من مفكري مصر لمشاركة شباب الثورة في القرارات المتخذة بشأن تحسين الأوضاع السياسية والقضاء على رموز الفساد في مصر، كما تبنى مبادرة لإنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا من أجل تنفيذ مشروعه القومي بترسيخ قواعد العلم الحديث في مصر، وتطوير المنظومة التعليمية في مصر".
شارك زويل في تلك الثورة رغم نيله خلال حكم مبارك "عدة جوائز، منها وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى في العام 1995، وقلادة النيل العظمى أعلى وسام مصري، كما أطلق اسمه على بعض الشوارع والميادين، وأصدرت هيئة البريد طابعي بريد باسمه وصورته، ومنحته أيضا جامعة الإسكندرية الدكتوراه الفخرية وتم إطلاق اسمه على قاعة الأوبرا."
تثير هاتان القضيتان ثلاث قضايا أخرى في غاية الأهمية لها علاقة بأحمد زويل، الأولى هي أنه رغم مكانة زويل في أعلى دوائر المؤسسة الأمريكية الحاكمة، لكنه لم يتمكن بأي شكل من أشكال، إحداث التغيير في العلاقات العربية الأمريكية لصالح الأولى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي. لا تقع مسؤولية ذلك على زويل، الذي يبقى، مهما علا شأنه فردا في فريق عمل، لكن المساءلة تخاطب الأنظمة العربية، وفي المقدمة منها المؤسسات التابعة لها ذات العلاقة ببناء العلاقة العربية – الأمريكية لما فيه مصلحة الطرفين.
لقد فشلت منظمات مثل الجامعة العربية بشكل عام، ومنظمة الأليكسو على نحو خاص، طالما نحن نتحدث عن شؤون العلم والتكنولوجيا، في مد جسور التعاون مع دوائر صنع القرار، ومؤسسات البحث الأمريكية على التوالي. وترك زويل وحيدا في ساحة الصدام مع المؤسسات الصهيونية العاملة في الولايات المتحدة، سواء تلك النشطة في الميدان السياسي، أو الأخرى ذات العلاقة بمؤسسات البحث العلمي.
وإذا سقنا بعض التبريرات التي تخفف من حجم مسؤولية النظام السياسي العربي في الاستفادة من حضور زويل الخارجي في المحافل الدولية الخارجية، وانتقلنا إلى مشروعاته التنموية المرتكزة على قاعدة البحث العلمي في داخل مصر، فسوف تتضاعف خيبة الأمل، فهناك مدينة زويل العلمية التي وضع حجر أساسها في مطلع العام 2000. لكن، وكما تناقلت وسائل الإعلام حينها أن ذلك المشروع الريادي "لم يلقَ الترحيب من البعض؛ فشعبية زويل أقلقت من في الحكم، بالإضافة إلى وجود المنتفعين من عدم إتمام المشروع، ومن هنا تعطل المشروع وتوقفت خطوات إنشاء المدينة لأسباب غير معروفة، ما دفع الدكتور زويل إلى التخلي عن الفكرة والعودة إلى الخارج من أجل استكمال أبحاثه، ولأنّ اهتمام النظام السابق بإقامة مشروع زويل العلمي لم يكن سوى استثمار سياسي لشهرة ومكانة العالم الكبير وليس بغرض النهوض بالبحث العلمي، فقد جري التضحية بمشروع زويل لصالح المشروع السياسي".
القضية الثالثة، وهي أيضا على المستوى الداخلي، لم تستفد المؤسسة التعليمية المصرية، من خبرات زويل وعلاقاته الدولية على المستوى العلمي، فمشروعه العلمي كان يطمح حينها إلى بناء "مدينة علمية عالمية لها مجلس أمناء يضم 6 شخصيات من الحاصلين علي جائزة نوبل في الاقتصاد والطب والطبيعة والمياه والمادة بالإضافة إلي رئيسي أكبر جامعتين في أمريكا وأكبر عالم في الصين ورجال أعمال مصريين، موضحا أن المشروع الذي يتكلف في مراحله الأولى حوالي 2 مليار دولار ليس جامعة بل بنية متكاملة للعلوم والتكنولوجيا، يركز علي أبحاث الطاقة والسوق الاقتصادية وتكنولوجيا علوم الحياة، يهدف لتخريج باحثين مؤهلين للمنافسة في السوق العالمية تتسابق لاجتذابهم الجامعات والمؤسسات العالمية".
لكن أيا من تلك الأحلام لم ير النور، وغابت عن ناظري زويل، قبل أن يغيبه الموت عنها.
من المتوقع أن تتبارز العديد من المؤسسات العلمية وغير العلمية العربية من أجل تخليد زويل وإحياء مشاريعه، لكن بعد فوات الأوان، فظاهرة مثل زويل لا تتكرر كل عام، وما كان في وسع زويل أن يحققه وهو بيننا لم يعد قابلا للتنفيذ الآن بعد رحيله.
الحقيقة المرة التي على النظام العربي أن رحيل زويل يعني، شئنا أم أبينا، استحالة تنفيذ ما بشر به ودعا إليه.
ما يحز في النفس أن فوق الأرض العربية هناك أكثر من مئة زويل، وليس زويل سوى رأس جبل الجليد الذي يعج بالعلماء والكفاءات العربية، دون أن يوجد من يكتشفها ويفتح أمامها فرصا تليق بها وتلبي حاجات النظام العربي وعلى أكثر من صعيد.
في اختصار لن يفيد زويل ولا مشاريعه كل ما سوف يكتب عنه وعن أحلامه التي تبخرت، بسبب رداءة النظام العربي.