رسالة الصحافة

 

حمود بن علي الطوقي

أطلُّ عليكم اليوم من خلال هذه الزاوية التي ربطتني بالقارئ طوال الخمس سنوات الماضية "حقيبة ورق" بكوني موجودًا حاليًا في عاصمة بريطانيا العظمى (لندن)، حيث الناس مشغولون باللهاث وراء لقمة عيشهم اليومية، في ظل تأثيرات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي التي باتَ واضحاً تأثيرها على حركة الاقتصاد البريطاني، جلست أبحث في مُحركات البحث عن القانون الذي ينظم الإعلام والصحافة وتأكدت أنّ الإعلام عبارة عن أداة تقود القاطرة، فإذا تحرَّك الإعلام تحركت بقية الأنشطة بمختلف توجهاتها، ثم تأملت شأننا الداخلي وكيف أنَّ القانون في كل مساراته وعلاقته بتحولات الحياة، قد كفل حُرية الصحافة، والحكومة كفلتها على لسان المقام السامي، والرأي العام يطلبها حثيثاً كي تكون عقله وعينه وحلمه، وهذا متوافر على مستوى الصحافة العُمانية، في الإطار المشروع للطريقة التي تتعامل بها الصحافة مع القضايا، من دون مساس بالمقدّرات والمكتسبات الوطنية..

 

جلالة السلطان المُعظم - حفظه الله ورعاه - جعل من الصحافة رسول سلام لا بشير خصام، وعندما آمن بخطابها أرادها أن تُعبّر بالموضوعية والصدق والحذر، وأرادها أن تصل بصوتها إلى العالم أجمع بحقيقة أنَّها مرآة الواقع..

 

 

الصحافة، أو كما يتم تسميتها (مهنة المتاعب أو صاحبة الجلالة)، التي في بلاطها يحدث الكثير والكثير، ومن خلالها يتم التَّعاطي مع أنباء العالم وقضايا الشعوب ومساحات الأحداث ومسكوتات التفاصيل، هذه المهنة التي لا يدخل إليها إلا باحث عن متاعب، ولا يخرج منها إلا من يعلم يقيناً أنه ليس أهلاً لها..

أحداث ذات صلة بمادة منشورة، في الزميلة (الزمن)، أودت برئيس تحريرها الصحفي المخضرم الزميل إبراهيم المعمري إلى غرفة الاستجواب لا أعلم يقيناً سبب الاستجواب هل ما نشرته الجريدة في صدر صفحاتها عن قضايا الفساد التي طالت جهات القضاء أم أمر آخر .

 

إذا كان الاستجواب وما صاحبه من حبس احتياطي، من جراء ما نُشر فهذا سلوك غير مسبوق في السلطنة، ونحن الدولة التي أكّد فيها المقام السامي على أنَّ حرية الفكر ونزاهة الحوار مكفولة للجميع، ولكن يحصل أن تسير الأحداث على غير هوى التفاصيل، وتقع مهنة الصحافة في مساحة تعلق فيها مع المسؤول الأهمّ أو ذي النفوذ غير الواضح المَعالم..

 

 

أعلم أنّ اختيار مهنة الصحافة ليس أمراً سهلا، وهي تكليف وليست تشريفًا، وهي مسؤولية قبل أن تكون وجاهة، وهي مراقبة ضمير قبل تكريس المصالح، لذلك لا يسلم من يعمل في هذا المجال بحسّ المسؤولية من عناء ردات الفعل في حال اختار لنفسه الطريق الصعب والوعر، وارتوى من حس الاختلاف، وتشبث باستقلال الروح الصحفية بانتصارها للحق والفضيلة، ومجابهتها الفساد في أشكاله المختلفة..

 

لقد آمنّا بالصحافة، وعملنا فيها، وسعينا من أجل أن تكون واجهة الفكر والمعرفة والوعي والرهان على المختلف، وسلكنا فيها مسالك الراغبين في تحمل المسؤولية والتشبث بأخلاقيات الواجب، واحترام الطرف الآخر ومحاورته ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، ومن المفروض أن يكون هناك تنظيم عملي لهذه المهنة الحساسة الجديرة بالتقدير والاحترام، يبدأ من قانون المطبوعات والنشر الذي نأمل من المعنيين النظر فيه وإحداث بعض التغييرات فيه ليكون مواكباً لحركة التحولات والتطورات العالمية، مرورًا بجمعية الصحفيين التي كنت أحد مؤسسيها واتفقنا أن يكون للجمعية دور في الدفاع عن الصحفيين وتأسست الجمعية على هذا الأساس لتكون تكون قبساً وهداية من خلال تجارب أفرادها من الصحفيين القدامى تضيء الطريق للصحفيين المستجدّين والمُحدثين، وقوفاً عند تأهيل الصحفيين بلغة الواقع وليس باللغة الأكاديمية التي نراها غير مواكبة لتحوّلات الخطاب الصحفي خصوصاً والإعلامي عمومًا على مستوى العالم، وصولاً إلى ضرورة تأهيل الصحفيين بالاشتغال في هكذا موضوعات حساسة كصحافة الاستقصاء التي تلبّي حاجة القارئ في الحصول على معلومات ذات صلة بالموضوعات التي يطلع عليها، حتى يصل إلى الحقيقة من بين الضبابية والنور، وحتى يرى الحقائق بعين فكره لا بعين هواجسه وعواطفه، فالصحافة لغة العقل التي لا بدّ من أن تكون حاضرة في حياة الرأي العام، شاء ذلك من شاء وأبى من أبى..

ربما يجد البعض أنّ تعرية الحقائق هو (صحافة صفراء) ، لكنها ليست كذلك حينما تملك الأدلة والأسانيد والوثائق، وحين تخطو خطوتها الأولى وهي واثقة مما تُريد الذهاب إليه وقوله، فهناك فرق شاسع بين الإثارة والحقيقة، وليس تحريك الجمر من تحت الرماد بجريمة ما دام لها ما يُشير إليها، تبقى الفكرة في الكيفية التي نقول بها الفكرة، أو نطرح من ورائها الهدف، وهنا يتبين الفرق بين الصحافة الخبيرة والصحافة العاديّة..

نأمل أن نرى صحافتنا العمانية مسؤولة، باحثة عن الحق ومناصرة إياه، وداعمة للفضيلة وداعية إليها، فهي مرآة الشخص العادي قبل المسؤول..