خيبات جمعية الصحفيين (العمانيين)..

 

مسعود الحمداني

احترتُ في الكتابة بين: خيبات الجامعة العربية، وخيبات جمعية الصحفيين العمانيين، فكلاهما ظاهرتان تستحقان الوقوف أمامهما طويلاً، وتشخيص حالتيهما، وبيان ما آلتا إليه، فـ (الجامعة) العربية لم (يتخرّج) في كلياتها غير مزيد من الخلافات، والتشرذم، وأطنانٍ كبيرة من الشجب والاستنكار، وجمعية الصحفيين هي الأخرى لم يخرج من ردهات مبناها غير صيغ الشجب والاستنكار ضد الصحافة والصحفيين، وكلاهما (الجامعة والجمعية) مدعاة للرثاء والتباكي.

فأنْ يصدر بيان يُدين صحيفة وصحفيين من جمعيةٍ مهمتها الدفاع عن الصحافة، أمرٌ يُثير الكثير من علامات الاستفهام، والاستغراب، والتساؤل عن مهنية هذه الجمعية، وكيفية إدارتها، وحتى عن ماهية أعضاء ومنتسبين لها لا دخل لهم بالصحافة، ولا ناقة لهم في العير ولا في النفير، مع كامل الاحترام لبعض الأعضاء الذين عركوا (مهنة المتاعب)، رغم أنّ (بعض هذا البعض) ما زال بحاجة إلى معرفةٍ أكبر بمفاهيم الصحافة، وأساليب إدارة الجمعيات الأهلية، وأهدافها، وكيفية (إدارة الأزمات)، والخروج من عباءة (التذلف) للشخصيات على حساب القضايا، وكان من الأجدى لجمعية الصحفيين التزام الصمت ـ إنْ لم يكن لديها ما تقوله ـ في قضية نشر إحدى الصحف المحلية خبراً على صفحاتها حول (قضايا فسادٍ في الجهاز القضائي)، وهي قضية مسؤول بالرد عليها الجهاز نفسه، فهو جهاز مُحترم، ولا نشكك في نزاهته، ولكن ذلك لا يعني أنّه جهاز منزّهٌ عن العيوب والأخطاء، ككل جهد بشريّ، وهذا ما يستوجب التحقق منه، والتحقيق حوله، وهو أمر آخر لا أود الخوض فيه.

فحين تقوم جمعية مهنية كجمعية الصحفيين العُمانيين بالانتفاض والمسارعة لإدانة صحيفة أو صحفي دون أن تكون طرفًا أصيلاً في النزاع، وقبل أن تصدر الجهة (المدّعى عليها) توضيحًا، فذلك موقف يدعو إلى الدهشة، والاستنكار، ففي كل بلدان العالم ذات الصحافات الحُرة تقف الجمعيات ـ من منطلق أخلاقي ومهني ـ إلى جانب أعضائها ـ ظالمين كانوا أو مظلومين ـ من مبدأ الانتصار لمهنيتها، وحفاظاً على استقلاليتها، فإن لم يكن لديها ما تقوله فالصمت أولى لها، وأفضل، أما أن تنحاز لـ (الطرف الآخر) فإنّ ذلك يُفقدها أهليتها وينثُر ماء وجهها الذي ظل طوال سنوات في موضع شكٍ وريبة.

فجمعية الصحفيين التي يستحوذ عليها بعض المحسوبين على الصحافة ـ دون انتقاصٍ من قدر الكفاءات المهنية في مجلس إدارتها ـ أصبحت مجرد مبنى أسمنتياً لا علاقة له بالصحافة أو الصحفيين، يُدار بطريقة غير مفهومة أدخلت مجموعة من أعضائه إلى دوائر المحاكم بسبب سوء الإدارة، وكادت أن تصل الأمور إلى أبعد من ذلك لولا ستر الله، ولا شك أنَّ جمعية الصحفيين هي أكثر جمعية (تنتفع) من التمويل الحكومي حيث لا تقل المبالغ التي تصرف لها عن مائتي ألف ريال سنويًا ـ وهذا ليس أمرًا سريًا ـ، وكان مثار تساؤلات من الجهات المعنية حول طرق صرفها، إلا أنّ أكثر ما تُجيده الجمعية ـ رغم هذه الوفرة المالية ـ هو (هواية السفر والرحلات) لبعض أعضائها.

إنّ هذه العقلية التي تُدير جمعيةً إعلاميةً صحفيةً بهذه الطريقة البدائية بحاجة إلى أن تُعيد النظر في أساليب إدارتها وتطوير نفسها، وعليها تجسير الهوّة الواسعة بينها وبين الصحفيين والإعلاميين الذين يرفض معظمهم الانتساب لها، لأنّهم لا يرون أفقا واضحًا تسير عليه، لا أن ينحصر دورها في المسارعة إلى إدانة الصحافة والصحفيين بمناسبة وغير مناسبة، وأن تكون (ملكية أكثر من الملك) ـ كما يُقال ـ، حتى قبل أن تتبيّن الحقيقة، وتتحقق من ملابسات وتفاصيل كتابة الخبر، وقبل أن توضّح الجهة المعنية موقفها مما نُسب إليها!!.

لستُ مع نشر الأخبار المُضللة، أو المُشككة في منجزات الوطن ومكتسباته ومنظوماته، ولكنني ـ كمواطن ـ مع فضح الفساد، أينما كان مصدره، ومسبباته، ومسببيه، ومع كل ما من شأنه أن يستأصل شأفة المنتفعين من خيرات هذا البلد دون وجه حق، والصحافة الحقيقية هي تلك التي تعتمد على المصداقية في الطرح، والاستقصاء المهني، وجمع الأدلة والإثباتات التي تدعم أخبارها، وتقاريرها، وطرحها..أما الكلام المُرسَل الذي لا دليل عليه، والذي يهدف إلى الإثارة، واستخدام سطوة وسلطة القلم والصحافة، أو أن تستند على أقاويل الناس أو المواقع الإلكترونية دون دليل مادي موثـّقٍ وملموس فذلك ما يُسمّى بـ (صحافة الفوضى)، أو (فوضى الصحافة)..وهو ما لا نريده لصحافتنا (الناشئة).

إنَّ على جمعية الصحفيين أن تكون عوناً للكلمة الحرة، لا سيفاً مسلطاً عليها، أو أن تكرمنا بسكوتها، إن لم يكن لديها ما تقوله، فالصمتُ حكمةٌ حين تخشى أن يخون (البيان)، وأن تترك للقضاء النزيه كلمة الفصل، وفصل الكلام.

 

 

Samawat2004@live.com