المعتصم البوسعيدي
يقال: "إنك تخطو نحو الشيخوخة يوما مقابل كل دقيقة غضب"، ولا ريب أنّ الغضب يجلب الهم والغم والحسرة، ويبعث القلق والتوتر ويطفئ دروب الهدى مهما كانت مشرعة أمام ناظرينا، لكن الغضب أيضا له مسببات وعوامل -أحيانا- لا تترك لك مجالا، إلا أنْ تغضب وتعبر عن غضبك حتى في لحظة الأمل.
نحتفل هذه الأيام بيوم تاريخي في مسيرة عمان الحديثة، إنه الثالث والعشرون من يوليو المجيد يومٌ سطع مبددا ظلمة، ونورا كشف به الله الغمة، وحصانٌ أبيضٌ عليه فارسٌ تجلى طموحا وسعيا وهمة، ذاك "قابوس" السعد الميمون والوعد المصون، في السبعين من القرن المنصرم ركض ذات يوم أناسا حفاة الأقدام على أرض طينية أو تربة صخرية يبشرون بربيع مقدمه، وبهاء طلته، وصدق كلمته، وفي هذه الأيام وعلى بساط مخملي أو تحت ظلال وارفة ينسج ذات الناس مع أجيال لاحقة خيوط الفرح المتجدد بذكرى تولي المقام السامي -حفظه الله- مقاليد الحكم، وهم يرددون مقولته النيرة "إن الشعوب حينما تحتفل بأعيادها الوطنية إنما تفعل ذلك تمجيدا لأيام في تاريخها مشرقة"، فسلام الله عليك يا سيد عمان الجميلة يوم ولدت ويوم ملكت الزمام، ويوم تبعث حيا.
الثالث والعشرون يوم له ما بعده؛ حيث حظيت عمان بعده بالفرج والانتصار، والتطور والازدهار، وظهرت على سيماء الوجوه السعادة والافتخار، ونالت كل المجالات نصيبها، وليست الرياضة إلا جزء من إنجازات النهضة ومكتسباتها، ورغم ذلك ونحن نتحدث اليوم بعد 46 عاما ما زلنا فيه نردد "بالبنط العريض" إننا حققنا نجاحا كبيرا بالحصول على ثلاث بطاقات بيضاء أولمبية، "فيا حسرة" على رياضتنا، أولم نرَ كم مرت عليها من سنوات عجاف؟! أوليس من سقط ليس كمن لم يتعلم من سقوطه؟! أين نحن؟! وماذا نريد؟! وكيف نصل؟! كم غضب تفجره أحوال رياضتنا الأولمبية على وجه التحديد، لقد هرمت وثقل عودها وتجعد وجهها، فما يغنيها عمليات تجميل "ببطاقات بيضاء" وما عادت تنطلي عليها المجاملات؛ لأنها استوعبت "درس" شوقي: "خدعوها بقولهم حسناء/والغواني يغرهنّ الثناء"!
نعاود الطرح مرة أخرى عن صناعة البطل الأولمبي، عن نظرتنا ومدى رضانا حول مشاركة البعثة العمانية في أولمبياد "ريو دي جانيرو" القادمة؛ والمتمثلة في تأهل حقيقي واحد يحمل لواءه العداء بركات الحارثي، وثلاث مشاركات عبر البطاقة البيضاء، أو ما تعرف ببطاقة الدعم والتي أعتبرها شخصيا أشبه ما تكون ببطاقات "شرفية" رغم أنها تبنى على إجراءات وقواعد معينة؛ حيث حصلت اللجنة الأولمبية العمانية على ثلاث بطاقات للعداءة مزون العلوية والرامية وضحى البلوشية، إضافة للرامي حمد الخاطري، ولعمري يا "أبا القاسم الشابي" إننا -بذلك- ما أحببنا "صعود الجبال" ورضينا "أبد الدهر -بل أكثر- بالعيش بين الحفر"!
نستميتُ بأمل أن يحقق بركات الحارثي شيئا لا نتوقعه، شيءٌ يخرجنا من "التصفيق" لكسر رقم محلي مسجل باسمه، يخرجنا -صراحة- من تلاشي الأمل في أصحاب البطاقات البيضاء خاصة من "القوارير" اللتين نرفق بهما علّ هناك من يرفق بنا وبغضبنا الذي لا نود أن يكون ردة فعل تزداد معه شيخوخة رياضتنا، إنما غضبٌ يحرر "الأصفاد" ويطلق العنان لحصاد زرع، وحياة أرض بعد جفافها، نريد أن نرى بطلا أولمبيا يمكن التعويل عليه في حصد الذهب، بطلا نفتش عنه من خامات الرياضة العمانية، مستخرجين موهبته وصانعين نجوميته عبر مختصين ذوي قدرات عالية، مع توفير أدوات البيئة الصحية العلمية منها والعملية، وضخ جيد للأموال عن قناعة تقود لأهمية أن يرفرف علم السلطنة على المنصة الأولمبية، ولكن حتى الآن هيهات هيهات!!
أعتقدُ أنَّ الأمر بات يتخطى تفنيد الواقع الرياضي، وبث الآراء والنصائح للجهات المعنية، فذلك لا يتعدى "كبسة" زر على "جهاز لوحي ذكي"؛ فنجد مجموعة من التجارب والنقاشات وحتى البحوث الأكاديمية في علم النفس الرياضي وكيفية صناعة الأبطال...وغيرها؛ الأمر -في اعتقادي- أصبح يتعلق بسؤال بسيط يجب علينا جميعا التفكر فيه: أكثر من مليوني عماني يعيشون في مساحة تبلغ ثلاثمائة وتسعة آلاف وخمسمائة كيلومتر مربع متوزعين على إحدى عشرة محافظة بإحدى وستين ولاية، ولا نستطيع أن نخرج بطلا أولمبيا (يُلامس المعدن النفيس) على امتداد نهضتنا المباركة... فهل يُعقل؟!