الوطن.. عشق فريد

 

 

فايزة الكلبانية

عمان الخير وشعبها تترقب أياما وطنية مباركة، لها طابعها الخاص في نفس كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة، الثالث والعشرون من يوليو المجيد للعام 1970 ليس يوما عاديًا في مسيرة الوطن والتاريخ، بل كان إيذانا ببزوغ فجر النهضة، وإشراقة ميلاد عمر جديد لعمان وأهلها تحت قيادة باني النهضة العمانية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي وعد شعبه في أولى إطلالاته السامية من خلال البيان التاريخي الأول في 23 يوليو 1970م حين قال جلالته: "شعبي.. إنّي وحكومتي الجديدة نهدف لإنجاز هدفنا العام.. كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غدًا سيشرق الفجر على عمان وعلى أهلها، حفظنا الله وكلل مسعانا بالنجاح والتوفيق".

لم يكتف جلالته بالحديث عن ذاته بل أرفق معها حكومته الرشيدة حين قال "إنّي وحكومتي" مؤكدًا على أن بناء عمان، والدفاع عنها، والرقي بمسيرة العطاء، وتقدمها؛ لم تكن يومًا مسؤوليّة طرف واحد فقط، إنّما هي عمليّة تكامليّة وتشاركيّة بين القائد والحكومة والقطاع الخاص والمواطن والمقيم على أرض الوطن لما نلمسه من أشقائنا الوافدين من انتماء وحب وإخلاص، والبعض قد تكون وطنيّته وإخلاصه تفوق أبناء الوطن الأصليين.

ونظرة جلالته الثاقبة في قدرة الشعب العماني بتلاحم فئاته وجهودهم يدًا بيد لم تأت من فراغ، إنما جاءت من ثقته الأكيدة بأنّ أبناء الوطن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، هبّت لإنقاذه باقي الأعضاء، لإخراجه من أزمته وأوجاعه، والأدلة على ذلك عديدة من واقع الأزمات التي مرّت على السلطنة، وبتكاتف الجهود وتلاحم أبناء الوطن حكومة وقيادة وشعبا تمكنا من تجاوز المحن والآزمات بأقل نسبة تذكر من الخسائر ومنها ما لمسناه من جهود لإعادة إعمار البلد رافضين أي نوع من المساعدات الخارجيّة، ونجحنا في التحدي حين تعاملنا بإيجابيّة مع ما خلفه "إعصار جونو" مرورا بــ "إعصار فيت"، وما لمسناه من إجراءات احترازية للتصدي لــ "إعصار آشوبا" وغيره من مخاطر وتحديات مرت على السلطنة.

اليوم نقف جميعا عاقدين آمالنا على تكاتف الجهود وتلاحم الصفوف، لتجاوز تأثيرات انخفاض أسعار النفط، وما تمر به السلطنة والموازنة العامة للدولة من تراجع نتيجة لرغبة الحكومة يومًا ما في إرضاء مطالبات المواطنين بمضاعفة فرص العمل والتوظيف، وتكثيف الجهود في زيادة حجم الاستثمارات، وتحسين المعيشة ورواتب الموظفين بالقطاع الحكومي لمواجهة غلاء المعيشة آنذاك، وكل ما واكب أحداث 2011م من تغيرات وقوفًا على تلبية مطالبات الشعب من جهة، وبعض من أوجه الفساد والتجاوزات التي قام بها البعض ممن أغرتهم أطماعهم وسولت لهم أنفسهم التلاعب والتحايل على القوانين، ونهب أموال الدولة من جهة آخرى، وتكثيف المشاريع في مختلف القطاعات لاستيعاب ذلك الكم الهائل من الخريجين والباحثين عن عمل من جهة أخرى، ضاربين بعرض الحائط لكل من يحمل شعارات سلبية محطمة لطاقاتنا الإيجابية الراغبة في التحدي من أجل حياة أفضل والاستمرار واستغلال النجاح الذي سيولد من رحم المعاناة. كل هذا كان من شأنه أن يضغط على ميزانيّة السلطنة في الأعوام الأخيرة لترتفع نسب الإنفاق والعجز الذي يتطلب تغطيته المزيد من الجهود نتيجة لانخفاض أسعار النفط والبحث عن مصادر بديلة للنفط والوقوف وقفة جادة أمام رفاهية العيش التي صنعها لنا النفط في فترة ليست بالبسيطة قبل فوات الأوان.

أكتب سطور مقالي وكلي أسف على رؤية بعض من أبناء بلدي عمان، وقد بدت عليهم ملامح الضيق وبوادر الجزع بشكل مبالغ فيه، فاقدين الهمّة والنشاط والحيويّة، ومنهم قد يكون تأثره بالأزمة لا يكاد يُذكر مقارنة بغيره، إنّما هي فقط عوامل نفسيّة واضطرابات متفشية بينهم في نقاشاتهم وجلساتهم وسهراتهم بأنّ الوضع الاقتصادي في البلد مقلق. اتفق مع هؤلاء بأنّ الوضع أصبح صعبًا ويتطلب شيئًا من التحدي ومضاعفة الجهود في ابتكار سبل جديدة للخروج من هذا النفق المظلم، وهذا ما تسعى السلطنة لإيجاده ولكن "اليد الواحدة لا تصفق"، كل هذا يتطلب المزيد من الوعي المجتمعي، والأكيد أنّ "الحكومة" شريك لــ "المواطن والقطاع الخاص" فلنتجاوز الأزمة معا كما هو عهد "جلالته" وثقته بأبناء شعبه.

كلي ثقة بأنّ "عمان بخير" مقارنة بحال غيرنا من الدول العربية المجاورة التي فقدت الأمن والأمان، وكل سبل العيش الكريم وتشرّد أهلها وعاث فيها العدو أنواعًا من الخراب والدمار والقتل والوحشية، فذهبت الأوطان وشعوبها ضحية للعبة سياسية ولا حول لهم ولا قوة.

لا أكتب من منطلق الدفاع عن الحكومة أو غيرها؛ إنّما من منطلق معايشتي لما يشهده وطني من تقدم في مختلف المجالات. ومن هنا يجب علينا الحفاظ على ما تحقق من إنجازات على أرض الوطن والترفّع عن الحملات الإعلامية المحطمة لطاقاتنا، والإثارات المنطلقة من أرضية تتحدى الحكومة أو تجلب أكثر عدد من المتابعين بغرض الشهرة و"الشوفونية" المغرضة..

نحن اليوم أحوج ما نكون لتكاتف الجهود؛ حكومةً وشعبًا وقطاعًا خاصًا، كما أننا بحاجة إلى الإصلاح بشكل تحفيزي وليس انتقامي؛ لا سيّما في ظل ما نمرّ به من تحديات نتيجة لانخفاض أسعار النفط وتبعاته المُرتقبة مستقبلا.

همسة لعشاق الوطن..

"شباب عُمان"... أنتم ثمار النهضة العمانية والتحدي الأصعب اليوم هو كيفيّة الحفاظ على ما تحقق من إنجازات في ظل مسيرة النهضة المباركة.

 

Faiza@alroya.info

 

الأكثر قراءة