تكامل السياحة الخليجيَّة.. ودواعيها لبلادنا

د. عبدالله باحجاج

لو ظلَّتْ سياحتنا تمضي بنفس الأفكار، وبنفس الموارد، فلن تتقدَّم خطوة فعلية نحو تحقيق هدفها القديم الجديد، وهو جعلها مصدر دخل أساسي على المدى الزمني المنظور، ومستقبلا: أحد المصادر البديلة المهمة للنفط، لن تتحول إلى مصدر دخل واعد لو بعد عشرين عاما، والأفكار هى نفسها منذ العقود الماضية؛ وبالتالي ستظل المقومات السياحية التي حباها الله -عزَّ وجلَّ- بها بلادنا، فوق الأفكار المتعاقبة التي تسيِّرها وتؤطرها، وهى كذلك، فوق الموارد المالية حتى قبل الأزمة النفطية، فكيف بها إبانها؟ رغم أننا لا نرى مشكلة في الموارد المالية، ويظن البعض أنها مشكلة؛ لأنها -أي الموارد- من إنتاج الأفكار، والعلة تظل دائما في الأفكار أو أن الأفكار المبدعة تتحطم فوق صخرة رفضها في النهاية لأسباب عديدة، وكلها تنم عن وجود إشكال في فهم ماهيات المرحلة، وتحدياتها المقبلة.

ولن نقتنع كذلك بحجية المعوق الاجتماعي لتطور السياحية التي يلوح بها البعض، فهذه الحجية هى كذلك من سلبية الأفكار نفسها، فلو وجد مثل هذا المعوق، فسيكون وراءه سلطة ضعيفة، تنصلت عن مسؤوليتها الوطنية، وحملت المعوق ما لا يتحمل الإخفاق، فلو كانت قوية، فلن يقف الفرد أو حتى الجماعة معرقلا للتطور؛ فالتلويح بهذه الحجية هو من صناعة الأفكار السلبية، وهى التي تقوي من شأن الفرد والجماعة، بدلا من أن تحسم الأمر لصالح المصلحة العامة مع الاعتداد بحجم المصالح الفردية والجماعية المتضررة وفق قاعدتي "لا ضرر ولا ضرار"، و"لا تفريط ولا إفراط".. السلطة القوية ستلجأ إلى كل السبل القانونية لكي تمرِّر المصلحة العامة حتى لو اضطرت لاستصدار قانون يُشرِّع التطور، ويُسرع به للزوم التحولات الكبرى التي يستفيد منها الكل، وكل من يتحدث الآن عن قدرة الفرد أو جماعة لمنع أو عرقلة التطورات؛ فهو بذلك يُسيء للسلطات ومن ثمَّ للدولة، ويبيِّن ضعف الفاعلين فيها. إذن؛ هل ينبغي أن تظل بلادنا تراهن على مثل هذه الأفكار وهى تعلم نتائجها مسبقا؟ كلُّ من يقرأ ماهيات المرحلة الراهنة، وآفاقها المستقبلية، والتحديات والإكراهات الناجمة عنها، سوف تلزمه قراءته بأنْ يرفع صوته عاليا لكي يصل إلى أكبر مدى ومساحة ممكنة، لعل صرخاته تصل إلى مُبتغاها في الوقت المناسب، وإحدى هذه الصرخات تحمل حتمية الإسراع في إحداث تحولات وتغييرات في المسير للزوم المصير المستقبلي. ودون ذلك، سنجد الفكر غارقا في التطور دون التحول والتغيير رغم أن ضرورات المسير نحو المصير الآمن، تقتضي انعتاقنا من الفكر الذي ينتج تطورات محدودة ومبعثرة هنا وهناك رغم أهميتها، لكنها لن تكون الوسيلة التي ينبغي أن تنقل المسير إلى مستوى تحديات المستقبل، وهى تحديات كبيرة تحتم عصفا ذهنيا جماعيا، ولابد أن تنتج عنه أفكار ورؤى جديدة حتى لو أدخلتنا في تحولات ومتغيرات جوهرية، وهى بالتأكيد حتمية، وكل من يرفضها، فهو كمن يرفض الصيرورة الزمنية الراهنة؛ وبالتالي، سيجعلنا أسيرين ماض لوحدنا؟! ولو حصرنا حديثنا الآن على السياحة، فإنَّ التفكير ينبغي أن يذهب بنا نحو الانفتاح على ماهية محددة من السياحة، ونكرس لها كل عصف ذهني من أجل تحقيق العائد المالي المجزي من وراءها لتدعيم موازنة الدولة، وهذا النوع نجده في نوع السياحة العائلية، فهى رهاننا على صناعة سياحة مستدامة، ومفهوم الاستدامة ننظر لها من منظورين؛ الأول كمصدر دخل ثابت ومضمون في ظل وجود بنيته الأساسية، والتي نجدها في ترسيخ منظومة الأمن والاستقرار وقيم التسامح والإخاء، وعدم وجود أعداء من الداخل والخارج لهذه الدولة؛ سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو دولا، وهذا سيضمن للسياحة العمانية ديمومة التدفق السياحي لعوامل استقرارها الداخلي، وثبات سياستها الخارجية، ولنا في نقل تجارة دول الخليج العربية من موانئهم إلى موانئنا العمانية وقت الأزمات مؤشر يعزز المنظور الأمني للسياحة المستدامة، فدول سياحية من الطراز الأول، وأقدم منا في صناعة السياحة، تفقد ميزة الاستدامة لتفجر الصراعات داخلها أو النزاعات مع محيطها، ويتأثر بها قطاع السياحة بصورة مباشرة، والأمثلة التي نقدمها هنا: تركيا ومصر ولبنان، والمنظور الثاني: تناغم السياحة العائلية مع الثقافة والخصوصية العمانية؛ وبالتالي فلن يحدث صدام أو تعارض ثنائي بينهما آجلا أم عاجلا حتى لو نقلت الأسر معها بعض عاداتها وتقاليدها؛ فهى ستمارسها في نطاق الأسر المكونة من الأم والأب والأبناء، أي أنَّ ظاهرة الرؤية الصادمة للممارسة الثنائية التي غالبا ما تصاحب السياح أينما راحوا أو ارتحلوا، ستختفي في السياحة العائلية، وتتنوع المصطلحات التي تصف هذا النوع من السياحة وتختلف من مجتمع إلى آخر، لكن أكثرها انتشارا هي سياحة الحلال، والسياحة الإسلامية، والسياحة الملتزمة بالشريعة الإسلامية، والسياحة العائلية، وسياحة المسلمين، ولا تهتم سياحة الحلال فقط بتوفير احتياجات مسماها، وإنما تمتد لتوفير أماكن مخصصة للترفيه للنساء، ومنع وجود الخمور ولحم الخنزير في الطعام وإيجاد أماكن ملائمة للصلاة، كما تفعله الآن كبرى الفنادق الأوروبية في انفتاح منها مجبور بعد أن أصبح هذا النوع من السياحة يشكل ما نسبته 12.5% من حجم السياحة العالمي الأوسع، وتتوقع وكالة رويترز أن يرتفع حجمه إنفاقه من 142 مليار دولار عام 2014 إلى 233 مليار دولار عام 2020، وهذا يعني أنَّ السياحة العائلية للمسلمين قد أصبحت تشكل قطاعا رئيسيا في الاقتصاد العالمي الأوسع.

إذن، كيف نصنع السياحة العائلية؟ إذا أردنا أن نُحدث الفارق التنافسي، وفي الوقت نفسه العائد المالي، وبالسرعة الزمنية المطلوبة، فلابد أن نفتح إيجابا على محيطنا الخليجي بعد أن تعزَّزت قناعاتنا السياسية بطبيعية امتدادنا له رغم وجود بعض الإشكاليات معه، وهذه الإشكاليات إذا ظللنا نتعامل معها بسلبية الفكر وجمود العمل، فستظل كابحة لأي تحول إيجابي، والإيجابية التي تمليها لغة المصالح المشتركة، تدفع ببلادنا إلى أخذ زمام مبادرة تكامل السياحية الخليجية العائلية، لتميِّز كل بلد بمنتجات سياحية ذات ألوان متفردة، مع حقِّ امتياز بلادنا، وفي إطار هذا التكامل، سوف يجد المستثمر الخليجي الفرص الواعدة للاستثمار في بلادنا استغلالا لمقوماتها السياحية الكبيرة، ودون تنظيرات أو مفاوضات مسبقة، ستجد لغة المصالح الخليجية المشتركة في محافظة ظفار عاصمة للسياحية الخليجية العائلية، وهى محافظة لم تشرق عليها الشمس منذ أكثر من شهر حتى الآن، بسبب خريفها الاستثنائي البديع، برذاذه وضبابه، ودرجات حرارته التي يصل أدناها إلى 15 درجة، في حين يشتعل الخليج بدرجة حرارة قد تصل إلى 60 درجة، وسوف يجد كل رجل أعمال واقتصاد ومفكر وكاتب في هذه العاصمة المكان المناسب لاحتضان لقاءته واجتماعاته؛ لخصوصيتها المناخية وطبيعتها الخضراء، ويكفي بالسياحة الخليجية العائلية طموحا مُستهدفا لنا بالدرجة الأولى؛ حيث تشكل مساهمته 31% من حجم السياحة العائلية الإسلامية سالفة الذكر، وتركيزنا على هذا النوع من السياحة لن يمنع من التعامل مع السياحة الاعتيادية، الصيفية والشتوية، لكنَّ تركيزنا هنا ينبغي أن ينصب على السياحة العائلية لضرورات ثنائية الاستدامة المشار اليها، وكذلك، كون منطقة الخليج العربي تشكل إقليميا سياحيا واحدا لسهولة التنقل فيه، إضافة لتشابه العادات والتقاليد، وكذلك للإنفاق الخليجي العائلي على السفر للخارج، وذلك لدواعي تعايش المصالح الخليجية المشتركة لتحقيق الوحدة الاقتصادية من المنظور السياحي؛ فهل ستنفتح بلادنا نحو استهداف السياحة الخليجية العائلية؟ واستهدافاتها ينبغي أن يكون من خلال لغة المصالح المشتركة، وفق قاعدة الاعتماد المتبادل، وهذه أسس نجاح المشاريع المشتركة التي سوف تخلق بنفسها تطورات مصاحبة وموازية لها، كأن نتوقع إقامة قناة فضائية خليجية متخصصة للتسويق السياحي الخليجي، ويفترض أن يحمل هم هذا التحول السياحي المشترك الهيئة العليا للاقتصاد والتنمية التي أنشاها، مؤخرا، قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لكن، ينبغي على الحكومة أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها لعامل الوقت المهم جدًّا، ولأنها صاحبة المصلحة الأولى، فهل هذا ممكن؟!