البحث العلمي.. مدخل نظري (2-2)

د. آسية البوعلي

ذَكَرنا في المقال السابق العديدَ من العناصر الأساسية حول البحث العلمي، وفي هذه الحلقة نتناول العنصر السابع؛ وهو: خطوات كتابة البحث العلمي.

والخطوة الأولى في ذلك هي تحديد عنوان البحث؛ فأولى تلك الخطوات هي تحديد عنوان البحث بدقة متناهية، بحيث لا يخرج البحث العلمي عن الموضوع المحدد له في العنوان، ويجب أن يكون الموضوع محددًا وليس عاماً. فعنوان البحث هو المؤشر الأساسي للباحث من حيث أين يبدأ بحثه؟ وأين ينتهي؟ واختيار عنوان البحث من أصعب الخطوات؛ إذ تعتمد الخطوة على مدى دراية الباحث بموضوعه المختار، كما يتوقع من هذا العنوان أن يحوي إشكالية جديدة نوعًا ما، أو يضيف شيئًا إلى المعرفة.

واختيار عنوان البحث له دوافع كثيرة ومختلفة؛ منها: قد تكون مجموعة من التساؤلات التي يطرحها الباحث حول فكرة أو موضوع معين يمحورها لتكون عنوانًا لبحثه، أو قد يكون العنوان سببه احتكاك الباحث بمحيط معين أفرز تساؤلات تحتاج إلى البحث أو الإجابة عنها. أو أن يكون هذا العنوان نتاجًا للخبرة العملية للباحث في مجال معين.

الخلاصة أيًّا كانت الأسباب وراء اختيار عنوان البحث، هذا العنوان لابد أن يكون مثيرًا لاهتمام الباحث. وكما ذكرت آنفًا لا بد من قيامه بدور المؤشر للباحث من حيث أين يبدأ بحثه؟ وأين ينتهي؟ وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا في البحوث العلمية بـ"حدود البحث" وبالإنجليزية (Research Limits) أي الحواجز التي يلتزم بها الباحث في بحثه.

 ولحدود البحث أهمية كبيرة إذ تحصر تركيز الباحث في موضوع بعينه دون تشتيت أو خروج عن الموضوع؛ وبالتالي تُسَهِّل عملية البحث، كما تتيح إمكانية إنجاز البحث في زمن افتراضي.

وتنقسمُ حدود البحث العلمي عادة إلى نوعين؛ هما: حدود إجبارية، وحدود اختيارية.

"الحدود الإجبارية": هي النطاق الموضوعي للبحث الذي لا يمكن للباحث أن يتجاوزه، وهذا النطاق تفرضه طبيعة الدراسة أو البحث الذي يقوم على كتابته. فأي موضوعٍ من الموضوعات التي يتطرق إليها أي باحث في أي حقل من حقول المعرفة، لا بد أن تكون له حدودٌ لا يَسَع الباحث أن يتجاوزها، وإن قام بتجاوزها، فإنه في هذه الحالة سيخرج عن موضوع البحث أو الدراسة التي بين يديه" (تعريف للحدود الإجبارية تم اقتباسه نصًا من شبكة الإنترنت).

"أما حدود البحث الاختيارية، فهي الحدود التي يرسمها الباحث اختياريًا، ويلزم نفسه بها، ويقف عندها" (تعريف للحدود الاختيارية تم اقتباسه نصًّا من شبكة الإنترنت).

والفلرق بين نوعي الحدود هو: أن الأول يتوافر في كل بحث وبصرف النظر عن الحقل العلمي الذي ينتمي إليه؛ إذ يتم التعبير عن هذا النوع من الحدود في عنوان البحث في أغلب الأحيان بصورة كلية، أو بصورة شبه كلية؛ حيث بعض الباحثين يفضلون تخصيص فقرة في مقدمة البحث للحديث عن الحدود الموضوعية لبحثهم تفصيلاً.

أمَّا الحدود الاختيارية، فهي كما يُستوحى من مسماها، يختارها الباحث وعليه ليس بالضرورة أن تتوافر في كل بحث؛ فالموضوع ومتطلبات البحث فيه هي التي تجعل الباحث يلجأ إليها. وهذه الحدود تنقسم إلى: حدود زمنية وأخرى مكانية، وتحت القسمين قد يندرج مفردات كثيرة مثل: الطبقة أو الجنس أو النموذج أو الفئة أو النوع أو غير ذلك من مفردات أخرى. من منطلق أن أي شيء لابد وله نطاقان: زماني ومكاني. لكن، أهم ما في الأمر، إذا ما وجدت الحدود الاختيارية يجب ألا تخرج عن الموضوع الأساسي للبحث.

* الخطوة الثانية: القراءة الاستطلاعية

إذا ما استقرَّ الباحثُ على عنوان ما موضوعًا لبحثه، لابد أن يشرع في خطوة أخرى أساسية؛ وهي التيقن من وجود معلومات كافية عن الموضوع المراد البحث عنه. وهذا يتحقق عبر القراءة الاستطلاعية عن كل ما يرتبط بالموضوع. فهذه القراءة لها أهميتها في إعطاء الباحث إلمامًا شاملاً بالموضوع. وهي كفيلة بأن تكشف له مدى توافر المعلومات عن موضوع بحثه في المنابع المختلفة مثل: المصادر والمراجع والدوريات والمقالات والدراسات الورقية والإلكترونية في شبكة الانترنت. كما أنها توقف الباحث على مدى جدوى وأهمية الموضوع الذي سيبحث فيه؟ وهل يستحق حقًا البحث فيه؟ أم أنه قُتل بحثًا؟ وهل الباحث به سيضيف شيئًا إلى العلم أو المعرفة؟

كما أنَّ هذه القراءة تُعِين الباحث على حصر الدراسات السابقة في الموضوع، وتمده بالخلفية المعرفية، وأي الإضافات التي يمكن أن يضيفها في بحثه، وأي النقاط التي يمكن أن يحذفها أو يتناولها بإيجاز. كما يمكن أن تكشف له تاريخ الموضوع وأصله وتطوره، وتضع بين يديه المعلومات الكافية التي تساعده على سبر أغوار موضوعه بالكشف عن أدق تفاصيله. وقد تُعِين هذه القراءة الباحث على تصور الحلول المبدئية لإشكالية بحثه، وقد تفتح عينيه على نقاط لم يكن ليلتف إليها، قد تكون مفتاحًا للحلول وللوصول إلى نتائج مرضية.

* الخطوة الثالثة: وضع مخطط البحث

مُخطَّط البحث هو البنية (Structure The) أو الخارطة (The Plan) التي سيتبعها الباحث في بحثه. إن مخطط البحث لابد وأن يحوي على أربعة عناصر رئيسية؛ هي: المقدمة، ثم مكونات البحث أي الأبواب أو الفصول، ثم الخاتمة. مع الوضع في الاعتبار أنَّ أي مخطط لبحث قابل للتغيير أو التعديل طوال مراحل البحث.

- مقدمة البحث: وتحتوي على عنوان البحث، وأسباب اختيار الموضوع وأهميته والهدف منه، والدراسات السابقة مختصرة، والعرض الموجز لأقسام البحث ومكوناته وطريقة معالجة الموضوع أي المنهج المتبع، ورصد للعقبات التي واجهها الباحث أثناء البحث، ثم الشكر لمن قدم المعونة والمساعدة في سبيل إتمام البحث. وفي الغالب يتم كتابة المقدمة بعد الانتهاء من البحث؛ حيث يكون كل ما يحتويه البحث واضحًا وثابتًا بصورة نهائية. ومن أهم سمات تدوين المقدمة، يجب أن تكون جامعة مختصرة تحقق غايتها، مصاغة بأسلوب جيد من شأنه جعل القارئ مشدودًا إلى القراءة.

- الخاتمة: يتم فيها تقديم النتائج والمعلومات التي تمَّ التوصل إليها بشكل متسلسل، ويمكن أن تحوي الخاتمة مقارنات لنتائج البحث بنتائج أخرى في بحوث مماثلة، كما قد تشتمل على مقترحات وتوصيات لإكمال الموضوع أو اتمام فروعه أو متعلقاته على يد باحث آخر.

- قائمة المصادر والمراجع المستخدمة في البحث: يجب أن يراعى فيها القسمة اللغوية والنوعية والترتيب الهجائي والتوثيق العلمي والأكاديمي الصحيح الذي ذكرناه آنفًا.

* مستشار أول للعلوم الثقافية بمجلس البحث العلمي