البحث العلمي.. مدخل نظري (1- 2)

الدكتورة آسية البوعلي**

يجيب هذا المقال الذي يُنشر على حلقتين على مجموعة من التساؤلات المُتمثلة في الآتي:

  1. لماذا يعد البحث العلمي مهمًا؟
  2. ما هي مستويات الأبحاث العلمية الأكاديمية؟
  3. كيف نُعرِف البحث العلمي؟
  4. ما هي العناصر الأساسية للبحث العلمي؟
  5. ما الفرق بين البحث العلمي وبين أي كتابة أخرى؟ 
  6. ما هي صفات الباحث؟ أي صفات مَنْ يقوم بالبحث العلمي.
  7. ما هي خطـوات كتابة البحث العلمي؟ (التحديد لعنوان البحث - القراءة الاستطلاعية - وضع مخطط البحث).
  1. لماذا يعد البحث العلمي مهمًا؟

يعدّ البحث العلمي واحداً من أساسيّات نهضة العلم والتّعليم في عصرنا الحاليّ، فهو الوسيلة التي يتمّ من خلالها التوصّل إلى الحقيقة وإلى الإنجازات الجديدة وإلى المكتشفات التي لم يسبق إليها أحد، وهو الوسيلة التي يستطيع الإنسان بها أن يجيب على الأسئلة التي تُؤَرّقه والتي يجب الإجابة عليها حتّى يحصل الإنسان على الفائدة المرجوّة. باختصار البحث العلمي يمثل تطورًا في العلوم بشكل عام، هو السبيل إلى التقدم والنجاح.

كما أنّ البحث العلمي يتصف بالتراكمية والاستشرافية، فهو تراكمي إذ يوقف القارئ والباحث على الدراسات السابقة في علم ما، بل ويسمح له بالتعرف على بدايات التدوين العلمي فيما يخص هذا العلم، وما هي الدراسات التي تمّ تفنيدها أو التي أثبتت صحتها رغم قدمها، ويعينه على تلخيص هذه الدراسات.

والبحث العلمي استشرافي يزودنا بآخر المعلومات التي وصلت إليها الدراسات العلمية الحديثة، ويُعلمنا بالأبحاث الجديدة والمنشورة، ويوقفنا على الأفضل منها الذي يُمكن الاستفادة منه في موضوع ما.

كما أنه يزود المكتبات بالأبحاث أولاً بأول، مما يُعين في تشكيل قاعدة بيانات كبيرة من الأبحاث.

البحث العلمي يساعدنا في تأويل نتائج البحث وتمحيصها، ويتيح مجالاً لأجيال المستقبل يتعدى الاستفادة النظرية من البحث إلى التطبيق العملي والعلمي، خاصة فيما يتعلق بالدراسات العلمية.

البحث العلمي وسيلة لإقناع الآخر بالدلائل والمواثيق والبراهين لأنّه مبني على الاستنتاجية. كما قد يتم الاعتماد عليه في بناء حقائق معينة أو فرضيات أو أبحاث أخرى.

  البحث العلمي له فوائده على الباحث ذاته، فهو يرفع من مستوى لغته وينمي من مهارات انتقاء كلماته لتكوين جمل وفكر مترابط، كما يُعضض من مقدرته في الاستقصاء والبحث، ويبرز طاقته الإبداعية في استغلال مهاراته وموهبته لإنتاج بحث يتَّسم بالجودة والأصالة.

البحث العلمي يُوسع من مفاهيم الباحث في مجال التخصص أو في مجالات أخرى ترتبط بالتخصص، التوسع الذي قد يؤدي بالباحث إلى تصحيح بعض المفاهيم أو إعادة صياغتها، مما يبرز دور الباحث في إضافة فكر ما، أو في تقديم معرفة ما، أو إثبات فرضية ما، أو تحليل ظاهرة ما... إلخ.

البحث العلمي يزيد من النشاط العقلي للباحث ويحفزه على الخروج بنتائج دقيقة وموضوعية في بحثه، كما يعلمه الصبر للوصول إلى تلك النتائج، والأمانة في عمليات النقل.

  1. ما هي مستويات الأبحاث العلمية الأكاديمية؟

مستويات الأبحاث العلميّة الأكاديمية يمكن حصرها في ثلاثة أنواع رئيسية:

 النوع الأول: الأبحاث القصيرة Term Paper  وتكون على مستوى البحث الجامعي للدرجة الأولى؛ البكالوريوس، والهدف منها تدريب الطالب الجامعي على أساسيّات البحث العلمي، وعلى دراسة موضوع معيّن. وفي هذه الحالة ليس من الأهمية أن يخرج الطالب بنظرية ما، بل يكفي تعمقه في البحث للحصول على معلومات كافيةٍ وعميقةٍ في موضوع ما.

النوع الثاني: الأبحاث المتقدمة، الـ Master Thesis   وتكون على مستوى الدراسات الجامعية العُليا أي درجة الماجيستير، وهي بحوث طويلة تضيف شيئًا جديدًا في تخصّص معين، وغالباً ما تكون مُحكمة وقابلةً للنشر في مجلّات البحث العلمي المهمّة، إذا ما أراد الباحث نشرها.

النوع الثالث: الأبحاث المتقدمة التي تسمى بأطروحات الدكتوراه Doctoral Dissertation، وهذا النوع يكون شاملاً، ومن شروطه للحصول على درجة الدكتوراه، أن يكون بحثاً جديداً أصيلاً يضيف إضافةً قيمة للعلم والبشرية.

  1. كيف نُعرف البحث العلمي؟

البحث العلمي ويسمى بالإنجليزية   Research أو Scientific Research هو عبارة عن دراسة يتم إعدادها بشكل منهجي ومنظم، حيث يسير الباحث في إعداد هذه الدراسة على خطوات محددة، ويتبع أساليب معينة، ويستخدم أدوات معينة تعينه على إجراء هذه الدراسة وإتمامها بشكلٍ ممتاز.

  1. إذًا ما هي العناصر الأربعة الأساسية التي لا بد أن تتوافر في أي بحث علمي؟ 

(الباحث) هو الذي يقوم بالفكر المنظّم، والفكر المنظم ذاته يسمى بـ (البحث)؛ والطريقة العلميّة المتبعة تسمّى  بـ (منهج البحث)؛ والحلول التي يصل إليها الباحث في بحثه تسمّى بـ (نتائج البحث).

ويقصد بالمنهج المنظم أي تتبع طريقة علمية، هذه الطريقة تسمى اصطلاحًا بـ (منهج البحث)  أي السبيل الذي يتخذه الباحث في بحثه للوصول إلى نتيجة معينة يرتضيها أو يطمح إليها، وهذه النتيجة يكون وراؤها هدفًا ما، هذا الهدف قد يكون إثبات إحدى الفرضيات التي افترضها الباحث، أو السعي لاكتشاف شيء جديد لم يسبق اكتشافه من قبل، أو المحاولة للوصول لحل مشكلة إنسانية مُعينة، أو تفسير لحقيقة ما عبر قوانين عامة توجد في المجتمع، أو الوصول إلى نظريات جديدة اعتمادًا على الدراسات السابقة.

  

 أما الخطوات المُحددة فيقصد بها جمع كمية من المعلومات والأدلة والحقائق والبراهين وتوثيق كل ذلك وتدوينه كملاحظات تحليلية - بعد خضوعها للفحص والتدقيق- تتعلق بموضوع البحث الذي قد يكون علميًا، أو إنسانيًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا أو تاريخيًا أو دينيًا ... إلخ بحيث يتم تنظيم كل ذلك بشكل أكثر وضوحًا، يعكس فكرًا مُنظمًا.

  1. ما الفرق بين البحث العلمي وبين أيّ كتابة أخرى؟ 

الفرق الأساسي الذي يميز البحث العلمي عن غيره من الكتابات الأخرى، هو أن البحث العلمي يحوي إشكالية ما، حلها يكون الهدف من وجود البحث، وإذا تجرد من هذا لا يعد بحثًا علميًا.  فالكثير من الناس يقومون بجمع بعض المعلومات وترتيبها وتبويبها وإخراجها بصورة معينة، ومن ثمّ يسمون ما قاموا به (بحثاً علمياً)! وهذا خطأ، إذ إنّ الذي قاموا به لا يمت للأبحاث العلمية بصلة، وإنّما يُعد مجرد جمع للمعلومات، قد يكون له هدف كعرض لوجهة نظر ما، لكن طبيعة هذا الهدف يختلف عن هدف البحث العلمي الذي هو في الأساس إيجاد الحل لإشكالية ما، أو الإجابة عن سؤال ما.

  1.  ما هي صفات الباحث؟  أي صفات مَنْ يقوم بالبحث العلمي.

بداية يجب التوضيح أنّ الباحث الذي يقوم بالبحث العلمي قد يكون فردًا أو فريقًا من الباحثين، وفي الحالتين هناك سمات عامة أساسية لا بد أن يتحلى بها الباحث تتمثل في:

على الباحث أن يتَّسم بالفطنة والذكاء حتى يعي كيفية التعامل أو مواجهة أي صعوبة يمكن أن تقابله أثناء مسار بحثه؛ لأنّ البحث العلمي مسار تغمره الصعوبات والمشقة.

يجب على الباحث وقبل الشروع في موضوع بحثه أن يكون ملمًا وعارفًا بموضوع بحثه أو الحقل العلمي الذي سيبحث فيه، ولديه معرفة ودراية كافية بهذا العلم. وأيضًا على دراية بالخطوات الصحيحة المُتبعة في البحوث العلمية، والتي في مقدمتها المعرفة بالمنهجية العلمية المناسبة التي يجب اتباعها في إجراء البحث. تلك المنهجية التي تفرضها طبيعة الموضوع موضع الدراسة.

يجب أن يتسم الباحث بالموضوعية أي البعد عن الذاتية والانحياز والتعصب، وأيضًا أن يتجرد من أيّة أفكار وأحكام مُسبقة تتعلّق بموضوع البحث؛ لأنّ الهدف من البحث هو الوصول إلى ما سيصل إليه البحث خلال موضوعية تامة، وليس التّزمّت لفكرةٍ معيّنة والدّفاع عنها.

 كما يجب أن يتوافر في الباحث؛ الصبر والقدرة على التحمل فيتجنب الاستسهال والتسرع بأخذ المعلومات من الإنترنت ما لم تكن موثقة ومدعومة علميًا، أو من الكتب التجارية، أو من أي مصدر آخر غير موثوق فيه علميًا كالمعلومات الجاهزة المذكورة في الكتب دون إشارة لمصادرها الأصلية.

وأيضًا أن يتَّصف الباحث بسمة الأمانة العلمية، بحيث يكون حريصًا حين تدوين أية معلومة أن يكتب ويشير إلى المصدر أو المرجع الذي استقى منه المعلومة، ليس هذا فحسب بل ويكتبه بطريقة علمية دقيقة.  بحيث تحوي الإشارة وبوضوح إلى اسم المؤلِف، عنوان المؤلَف أي اسم المصدر أو المرجع، بيانات النشر كاملة، (أي رقم الطبعة، مكان النشر، سنة النشر، رقم الجزء أو العدد إن وجد، ورقم الصفحة)، هذا مع الوضع في الاعتبار أنّ هناك مدارس مختلفة تناولت كيفية كتابة إحالات المصادر والمراجع في المتن؛ إي في هوامش البحوث وفي آخرها، لا يتسع المجال حاليًا لشرحها تفصيلاً.   

** مستشار أول للعلوم الثقافية بمجلس البحث العلمي