جريمة بيع التأشيرات

 

 

فايزة سويلم الكلبانية

إنّ ما كشفته وزارة التجارة والصناعة مؤخراً فيما يخص البيانات الصادرة من نظام استثمر بسهولة، والتي تُبيِّن قيام 310 من الشركات بإضافة نشاط شحن وتفريغ السلع كما تمّ إنشاء 110 من السجلات التجارية الجديدة لذات النشاط خلال الأربعة أسابيع الماضية في ظاهرة غير مسبوقة، يعد إنجازاً آخر يضاف لرصيد فريق العمل بـ"استثمر بسهولة"، ولكن المؤسف أنّ يكون الهدف من تسجيل هذا النشاط هو الحصول على عمالة وافدة يتم تسريحها أو تأجيرها من الباطن لشركات أخرى، مُستغلين إطلاق خدمة إضافة وحذف الأنشطة التجارية عبر بوابة استثمر بسهولة، متجاهلين ضرورة التَّقيد بالضوابط والاشتراطات الموضوعة وعدم إساءة استخدام التسهيلات المُقدمة عبر بوابة استثمر بسهولة وغيرها من ضوابط القوى العاملة والتأشيرات.

 

عندما نضع أنفسنا في محيط الدائرة بين "الجهات الحكومية" المعنية بتسهيل وتبسيط إجراءات الاستثمار وفتح المزيد من نوافذ الاستثمار المحلية والأجنبية من جهة وبين "المستثمر" نفسه والأخلاقيات التي يجب التَّحلي بها من مُنطلق رغبتنا في تغيير واقع الحال وتلبية نداءات المُستثمرين وأصحاب الأعمال في ضرورة تبسيط الإجراءات وتسهيلها أمام مشاريعهم من حيث " القوى العاملة، والبيئة والتراخيص والجمارك وغيرها من جهة أخرى، نجد أنّ للحكومة مُمثلة في هذه الجهات الحق في تشديد الشروط والقوانين لتفادي أية محاولات للتحايل على القوانين من هؤلاء المُستثمرين العمانيين أو الوافدين وإساءة استخدامها، وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نُلقي باللوم والعتاب أمام من يُعاني من دائرة تخليص معاملاته وتعقيدات الإجراءات أمامهم مما يؤدي إما إلى التخلي عن المشروع بعد اليأس من تعقيد الإجراءات أو تحويل مشروعه لأية دولة أخرى مجاورة قد تتاح له الفرصة فيها للعمل وتحويل فكرته إلى واقع ملموس.

 

ولذا بالفعل أحسنت وزارة التجارة والصناعة وغيرها من الجهات المُختصة كالشرطة والقوى العاملة باستجوابها البعض ممن لا يلتزمون بقواعد العمل التجاري ويتَّخذون تعدد السجلات التجارية كوسيلة للربح السريع دون اكتراث للإضرار التي يلحقونها باقتصادنا الوطني. لاسيما وأننا نعلم جميعاً أنّ أكبر تحدٍ يواجه تطوير القطاع الخاص ويُعرقل نمو اقتصادنا الوطني يتمثل في ظاهرة التجارة المستترة التي تضم تحت مظلتها العديد من جرائم الفساد والاختلاسات والنصب والفساد بطرق مخالفة للقانون، وأخص اليوم بالذكر جريمة "بيع التأشيرات" وتكون مقابل مبالغ كبيرة لكل تأشيرة لا يدفعها الفرد بذاته بل من صُلب الاقتصاد الوطني العماني. وقد آن الأوان للضرب بيدٍ من حديد على "تجار بيع التأشيرات" بأنواعها لأنّهم دخلوا في الممنوع وبالغوا فيه في ظل حاجة اقتصادنا الوطني للمزيد من التسهيلات وتبسيط الإجراءات.

وما يسيء لاقتصادنا، أنّ التجارة المستترة التي وصفها صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه-، بالآفة التي تنخر في عظم اقتصادنا الوطني لا تتم سوى بتواطؤ وتعاون البعض ممن سولت لهم أنفسهم بيع السجلات والتأشيرات للوافدين، مما أدى إلى تكدس عدد من العمالة السائبة في مختلف محافظات السلطنة من جراء أطماع البعض وجشعهم وحبهم لجمع المزيد من الأموال بأي طريقة كانت متناسين حق هذا الوطن عليهم، وما قد تُخلِّفه سلبيات العمالة السائبة وخطورتها على الاقتصاد المحلي وحركة السوق من غش تجاري أو احتكار أو غيره من طرق الفساد المتفشية اليوم في مجتمعنا بلا حدود.

كما كانت هناك مطالبات سابقة وما زالت بضرورة وضع ضوابط وآليات جديدة لإصدار السجلات التجارية، وبيع التأشيرات للوافدين ولا بد منها بعد أن استشرت ظواهر الفساد بطريقة تخريبية وسلبية على اقتصادنا، حيث إنّ هناك عدداً من التحديات التي تواجهنا في المرحلة الحالية وعلى رأسها خلق وظائف لشبابنا العُماني الذي يتعرَّض لمنافسة غير عادلة من العمالة الوافدة وغيرها من أنشطة غير قانونية كبيع التأشيرات وما شابه والذي يدعم الوافد ويحرم العماني من فرصة عمل شريفة، ومن هذا المنطلق لا بد من تضافر الجهود جميعها ولابد من حملة توعية وطنية للحد من التأشيرات المسروقة للحد منها، ومن المؤكد أنّ الأمن الاقتصادي مهم جدًا وعلينا التركيز عليه، ونحن بحاجة ماسة لبناء قطاع خاص وطني قادر على الشراكة والمبادرة في التنمية بتلاحم الجهود وتكاتفها للتغلب على تأثيرات الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط بأقل الخسائر، أما تجار التأشيرات فليس لهم مكان بيننا.

هناك عدد من الدول تعمل على تطبيق ضوابط واشتراطات صارمة تردع كل من تسول له نفسه التلاعب بقوانين العمل ومخالفتها، بحيث أن من يمارس نشاط التوسط في استقدام العمالة أو تقديم خدمات عمالية بدون ترخيص من الوزارة أو مدة ترخيصه أو قام المرخص له بتأجير الترخيص للغير أو منحه حق الانتفاع به لممارسة النشاط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ستقوم الوزارة بإغلاق المنشأة نهائياً وتوقيع غرامة مالية ليست باليسيرة في حقه.

faiza@alroya.info