غراس الخير

موقفان مع الأستاذة عزة العيسرية رحمها الله

 

 حمد الحوسني

وصلني كغيري الخبر المفجع المبكي المتضمن وفاة الأستاذة عزة بنت محمد بن سالم العيسرية -رحمها الله تعالى- كيف لا يكون مفجعا ومبكيا والثلمة التي تركها كبيرة جدا؛ فنشاطها الدعوي العظيم لا يخفى، ومؤلفاتها التي كتب الله لها القبول والانتشار عرفناها منذ أن كنا صغارا، وتضحياتها الجسام بالجهد والمال من أجل نشر الخير يعرفها من كان منها قريبا، وإشرافها على مركز غراس الخير مثال على ذلك.

وفي الحقيقة فإنني لم أتعامل مع الأستاذة عزة -رحمها الله- بشكل مباشر إلا من خلال موقفين تعلمت فيهما منها الكثير من الفوائد والدرر والعبر التي يستخلصها من تأملهما:

الموقف الأول: قبل أكثر من عام عند ما أُخْبِرَتْ أنّي موجود في مبنى الإرشاد النسوي في الغبرة من أجل الاجتماع مع لجنة التحكيم النسائية التي ستشارك من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في تقييم مسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم العاشرة جاءت واستأذنت، وعرفت بنفسها، وأخذت تشكرني على اهتمامي بابنها عامر، ومساعدته في تطوير مهاراته وخاصة في مجال التصميم..، فأجبتها: أنني أنا من يجب أن أشكركم كأسرة على دوركم في مسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم، وعلى إفساحكم المجال وتشجيعكم لابنكم عامر للمشاركة في خدمة المسابقة، وأكدتُ على أهمية أن يوازن بين اهتمامه بدارسته وبين تنميته لمواهبه، وذكرت لها أنني اشترطت عليه القيام بالأعمال المتعلقة بالمسابقة وقت فراغه بعد انتهائه من المذاكرة، وحثثته كثيرا على الاهتمام بالتفوق الدراسي والموازنة بين الأمرين.

وبعد أن خرجنا قلت لزميلي كلاما حاصله: انظر إليها كيف تشجع ابنها للمشاركة في أعمال الخير، وكيف بادرت بالشكر والتقدير الذي كانت هي وأسرتها أحق به، ويا ليت كل الآباء والأمهات كانوا كذلك.

الموقف الثاني: اتصل بي عامر قبل أكثر من عام -أيضا- فأخبرني أن والدته تريد أن تكلمني؛ فحدثتني أنها تنوي إرسال عامر للدراسة مع فضيلة الشيخ حمود بن حميد بن حمد الصوافي -حفظه الله-؛ لينهل من علمه، وليكون له نصيب من تربيته، وليستفيد من ورعه -أطال الله في عمره-، وذكرت أنّ هذه فرصة ثمينة، وأظنّها طلبت مني تشجيع عامر على ذلك -وقد شجعته كثيرا-، وذكرت لي أنّ الشيخ عمل له اختبارًا، ويريد رقم مدير المدرسة ليسأل عن أخلاقه؛ فطلبت منّي أن أتواصل مع الشيخ لأخبره عن عامر؛ لقرب ابنها مني، ولمعرفتي الكبيرة به، وهي في كل ذلك تعتذر لي عن الإزعاج؛ ففرحت كثيرا لطلبها، وأخبرتها أنني سأتصل به؛ لأرد ولو شيئا يسيرا مما قدمته أسرتها تجاه مسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم، ولأكون سببا في الخير؛ فاتصلت بالشيخ مباشرة، وأخبرته عن أخلاق عامر الكبيرة، وأنه سيكون له مستقبلا وشأنا -إن شاء الله-، وخاطبته: جميل أن ينهل عامر من علمكم، ويستفيد من تربيتكم وورعكم؛ لينشر هذا الخير في محيط تأثيره؛ فبادرني الشيخ متواضعا بأنهّ ليس لديه علم، وقال أردت معرفة أخلاقه وأنه ليس لديه (ربشة) -أو ما هذا معناه-، ووعدني أنه سيقبله؛ فشكرته، ثم بشرت عامرا وطلبت منه أن يبشر والدته رحمها الله.

وعند ما زرت الشيخ بعد ذلك ذكرته عند وداعه بالموضوع؛ فقال إنه سيقبله أو أخبرني أنه رد عليهم بالموافقة.

وزوجها الأديب الشاعر الشيخ سالم بن عامر بن سيف العيسري - حفظه الله- ذكر لي أكثر من مرة أنّها هي الأساس في متابعة حفظ أبنائهما للقرآن الكريم وتجويدهم له.

وقد كان نتاج هذه التربية الرائعة التي تلقاها الأبناء من والديهم الكريمين مواطنين صالحين مصلحين؛ يتحلون بالأخلاق الحسنة وبالأدب الجم حتى كانوا مضرب المثل في ذلك، ويبادرون إلى الخير، وقد تعددت مواهبهم ما بين مصمم وخطاط وكاتب وخطيب ومصور ومسوق ومهتم بالاكتشاف والاختراع.. إلخ.

فحفظهم الله جميعا، وبارك فيهم، ووفقهم، وغفر لفقيدتهم، ورحمها الله رحمة واسعة، وأسكن روحها الطاهرة في أعلى عليين في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

آمين..