البلسم الشافي (الجزء الخامس) (3)

 

 

 حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني

 

أيها النجباء، تحدثنا في اللقاءين الماضيين عن كيفية حمد الله وشكره لمن أدرك شهر رمضان المبارك وهو في صحة وعافية وقوة وأمن وسلام.

وذكرنا يوم أمس نقطة ثالثة تترجم هذا الشكر؛ وهي: عدم منع أي حق من الحقوق الواجبة في تلك النعم، وذكرنا بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن جحود بعض الناس لأنعم الله، وتقصيرهم في أداء حقوقها، وفي هذا اللقاء لا يزال الحديث ممتدًا.

أيها الأعزاء، كل نعمة تغمرنا هي من الله -عز وجل-: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ) [سورة النحل: 53]؛ فنعمة المال مثلا هي من الله، والله هو المالك الحقيقي له: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ) [سورة النور: 33]، والإنسان مؤتمن عليه ومستخلف فيه من قبل المنعم -تعالت صفاته، وتقدست أسماؤه-: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [سورة الحديد: 7]؛ لذا كان الواجب على المُنْعَمِ عليه أن يتصرف في نعمة المال وفق ما أمره المُستخلِف، وأن يلتزم فيه منهجه، وأن لا يتعدى فيه حدوده، أو يبخل به فيقصر في أداء حقوقه التي ذكر القرآن الكريم عددا منها؛ من مثل قول الله -جل وعز-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [سورة المعارج: 24-25]، وقوله -سبحانه وتعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [سورة الذاريات: 19]، وقوله -جلت قدرته-: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [سورة البلد: 11-18].

وليحذر المؤمن الحق أن يكون حاله كحال من ذكره الله -سبحانه وتعالى- في كتابه المجيد ممن يدعي اتباعه لبعض الأنبياء السابقين؛ فقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [سورة التوبة: 34-35].

وقد ذكر الله في كتابه العزيز موقف سيدنا أبي بكر الصديق -رضي الله تبارك وتعالى عنه- غب ذكر حادثة الإفك -كما جاء في بعض الروايات-، وعزمه على قطع صلته المالية عن أحد أقاربه المحتاجين بسبب وقوعه في عرض ابنته الطاهرة المُطهرة السيدة عائشة -رضي الله تبارك وتعالى عنها- في الحادثة، وقد كان -رضي الله عنه- يصله بماله من قبل؛ فنهاه المولى الحكيم عن ذلك: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة النور: 22]؛ فهل يحل بعد ذلك لأحد ممن لم يقع له مثل ذلك أن يمتنع عن أداء حق الله وحق عباده في مال الله الذي في يده؟!.

 

 

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم

الأكثر قراءة