الاتحاد الأوروبي بدون المملكة المتحدة (2-2)

إسماعيل بن صالح الأغبري

من الطبيعي أن يُحدث ذلك ردة فعل غاضبة من الساسة قبل الرعايا لكن ردات الحكومات قد تكون محسوبة لأنّ عامل الدبلوماسية والمسايسة له دور في تحجيم ردات الفعل أما ردات الرعايا وأتباع الأحزاب فإنّها تختلف تمامًا.

من الطبيعي أن يتصاعد تيار رافض تمامًا لاستقبال المُهاجرين، معادٍ تماماً لكل ما هو شرقي، وهذا التيار هو المعروف بالتيار (اليميني) أي تيار الصقور والحسم والحزم الذي لا يؤمن بالحلول الوسط، بل الحل الجذري القاضي بطرد أو وقف الهجرة إلى بلاده.

يتنامى هذا التيار في الغرب وأمريكا بصفة عامة، وغدًا يستقطب أعدادًا كثيرة مناهضة للمهاجرين خاصة بعد أن عصفت بعدد من دول الاتحاد الأوربي بما في ذلك بريطانيا وبروكسل وباريس موجات من التفجيرات.

يرى التيار اليميني المتصاعد في الاتحاد الأوربي أن المُهاجرين لا يمثلون فقط العبء الأمني الكبير، بل يمثلون العبء الاقتصادي الأكبر خاصة وأن الغرب عامة لم يزل يُعاني من آثار الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي هزته منذ سنين عددا.

المملكة المتحدة هي من ضمن دول الاتحاد التي يتصاعد فيها التيار اليميني المتشدد (الوطني) وهذا التيار يرى أن وجود بريطانيا في الاتحاد قزَم من دورها، وكبلها باتفاقيات كانت في منأى عنها لو لم تكن عضوًا في الاتحاد.

يرى قسم من البريطانيين أن وجود بلادهم في الاتحاد أضعف بريطانيا العظمى، إذ ليس لها ميزة عن غيرها من دول الاتحاد المنضوية حديثاً فيه أو الوليدة حديثاً على خارطة الدول المعترف بها في الأمم المتحدة.

يرى هذا القسم من البريطانيين أن بريطانيا صارت مقيدة بما يتم التوافق عليه فيما يتعلق بالمهاجرين، ولعلهم يرون أنّ سياسة الحدود المفتوحة والتأشيرة الموحدة جلبت عليهم ما يسمى بالإرهاب العابر أو المتنقل أو المتدحرج.

صحيح هناك تبادل للمعلومات بين دول الاتحاد وتنسيق أمني لكن ليست جميع دول الاتحاد سواء في هذا الجانب فمنها من لم يزل مبتدئًا في إجراءاته الأمنية وامتلاك التقنيات المتطورة.

لا يرى المصوتون للانسحاب من الاتحاد أنهم انسحبوا من جنة الخلد، فالاتحاد لم يتمكن من إيقاف هدير التفجيرات في عقر داره، ولم يتمكن من التنسيق الدقيق في مسألة الهجرة والمهاجرين أو وقف هذا الموج الهادر.

رغم عملة (اليورو) العنوان الاقتصادي الكبير للاتحاد الأوربي، والذي لم تكن بريطانيا فيه طرفًا لم يثبت وجوده حتى الساعة، ولم يستطع أن يقول للدولار ها أنذا القوة الصاعدة أو المساوية لك، وتأرجح اليورو ومشاكل المهاجرين والتفجيرات كلها من دواعي الإصرار على الانسحاب.

اليونان لم تزل تتلق الإسعاف تلو الإسعاف ولم تزل في حاجة ماسة إليه، والبرتغال وإسبانيا وغيرها ليست في معزل عن الأزمة.

عدد من المواقف في بعض القضايا لم يعد لبريطانيا أن تصدر فيها رأياً مستقلاً وإنما يصدر الرأي عبر المتحدث وباسم الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يروق للبريطانيين الذين لا زالوا يتذكرون عظمة بريطانيا.

قالت الأمة البريطانية رأيها فكانت النتيجة نعم للانسحاب من الاتحاد الأوربي، فلا دخول في الاتحاد وفي أي اتحاد شرقي أو غربي بالقوة وتحت التهديد المادي أو المعنوي كتلويح بإغراء مالي أو قطع معونة أو بعمل عسكري وكذلك الخروج من أي اتحاد هو خروج طوعي لا غبار عليه، لأنّ الأمر شركة وشراكة وهو أشبه بالجمعية، ويحق للشركاء أن ينسحبوا إذ ليست الشراكة زواجا كاثوليكيا، يحرم من خلاله الطلاق أو التسريح ولو بإحسان.

إذا كانت الشراكة ستؤدي إلى استعلاء طرف فمن حق الآخر أن ينسحب، وإذا صار القرار بيد طرف من باب التحكم فيحق للطرف الآخر الانسحاب، وإذا ساد مبدأ {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}يحق للطرف الآخر الانسحاب.

وإذا رأى عضو من الأعضاء أن هويته باتت على المحك جاز له اتخاذ المناسب من القرار.

أمريكا الحليف الإستراتيجي لبريطانيا عبرت عن احترامها خيار بريطانيا وأكدت أنّ التعاون بين الجانبين مستمر، ودول الاتحاد الأوربي تفهمت ما صار إليه البريطانيون ولو أنها كانت تأمل نتيجة مغايرة تماماً لهذه النتيجة.

الدول العربية أصدرت بيانات عبرت من خلالها عن احترامها للإرادة البريطانية.

الخسارة متبادلة بين دول الاتحاد وبريطانيا، لأنّ ذلك يعني هزة قوية أصابت الاتحاد، كما سيشجع دولاً أخرى للضغط من أجل الخروج من الاتحاد، كما يتردد أن خروج بريطانيا من الاتحاد نزل على قلب روسيا بردًا وسلامًا.

خسر الاتحاد وجود دولة كبريطانيا ذات خبرة عملية في معالجة كثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية بسبب أقدمية المملكة المتحدة وذراعها الطويلة سابقاً في قارة وليس فقط في دول، ولعل المستعمر البريطاني هو المستعمر الوحيد الذي تمكن في فترات مختلفة من تقليل خسائره مع الشعوب المحتلة، بل تمكن في بعض المراحل أن يصير صديقًا.

بريطانيا سوف تتأثر بسبب وجود أقاليم راغبة في الانفصال عنها، منذ زمن بعيد، وبعضها خاض مواجهات دموية معها.

يمكن أن يقع ذلك لأنّ ذلك في الغرب يعتبر من الحقوق فهو لا ينتمي إلى الإسلام، الذي يرى عدم جواز تجزئة الأوطان، وحرمة شق الصفوف، ويدعو إلى احترام كيان الدولة، وعدم المساس بمقدراتها ولا جغرافيتها ومع ذلك فإنّ الغرب لا يسعى إلى تجزئة بعضه حتى لو لم يكن من الاتحاد الأوربي، ولنا أمثلة من ذلك فهو يتململ بل لا يشجع انفصال إقليم الباسك، ولم يكن مع رغبة إقليم (كتلونيا) بل بريطانيا ذاتها لم ولن تسمح لجزر (الفوكلند) بالانفصال عنها، وقد خاضت في سبيل إخماد تلك الرغبة حرباً؟.

عموما التنسيق الأمني لن يتأثر بين الاتحاد وبريطانيا لأنّه حاجة للطرفين بل حاجة العالم بأسره إليه لأنّ التطرف والإرهاب عابر للقارات، ولم يعد أحد في مأمن منه.

ومن حيث عبور السلع والبضائع فإنّه قد تكون في البداية إشكاليات لكنها سرعان ما يمكن حلها باتفاقيات ثنائية كما أن بريطانيا ودول الاتحاد قد تمّ ربطهما بشبكة مواصلات معقدة فالانفصال في بعض جوانبه قرار سيادي والعلاقات مُستمرة.

هناك قطعاً ميزات سوف تتأثر من الجانبين إذ لا يُوجد فعل خالص الحسنات، سليم من السلبيات، وفيه مطلق الإيجابيات.