شهر رمضان المبارك مساحة واسعة للتعبير عن الحب الاجتماعي

هلال بن عبد الله بن هلال الخروصي

تأخذ المدنية والحضارة الكثير من حياتنا، وربما غلبت المصالح على العلاقات الإنسانية، وطغيان الربحية والنفعية على حساب المصالح الأخرى. وفي حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم:عن أنس رضي الله عنه قال مرّ رجل بالنبي عليه السلام وعنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إنِّي أحب هذا في الله، فقال النبي أأعلمته؟ فقال لا، قال قم إليه فأعلمه، فقال أحبك الذي أحببتني له، قال: ثم رجع، فسأله النبي عليه السلام فأخبره بما قال، فقال النبي أنت مع من أحببت ولك احتسبت".

والحقيقة الجوهرية التي لا بد من التركيز عليها، أنّ المشكلة القائمة هي أنّ الناس لا يقدرون على التعبير عن المشاعر وهذا ما يُسميه العلماء التربويون بالذكاء الوجداني، ولعل بعض الناس يستنكف عن التعبير بما يجول بقلبه من مشاعر وأحاسيس، والتعبير عن المشاعر تجاه الآخرين من السنن المهجورة، وهي عبادة يؤجر عليها صاحبها، ويدخل تحت مظلة الكلمة الطيبة التي تعد من السرور الذي تدخله في قلوب النّاس فتفرج كرباً وتزيل همًا، وتبعث الأمل في قلوب الآخرين.

والتعبير عن المشاعر بالقول هو مؤشر قوي يُعطي الحب قيمته، وللأسف الشديد معظم الناس اليوم يعيشون بلا عواطف، والإسلام جاء ليؤكد هذا التوازن، وإن طبيعة الإنسان أنه كتلة من المشاعر والأحاسيس، وهناك دراسة تقول إنّ الإنسان المحروم من العواطف أخطر وأشد ضررًا على جسده من ممارسة التدخين، والتدخين كما هو معلوم لديكم من أسوأ السلوكيات التي تُدمر الصحة من أمراض الرئة والقلب والسرطانات.

وكل المدخنين يُريدون التخلص من السجائر لكنهم وقعوا رهن الإدمان، والتدخين حسب كلام الأطباء اليوم يحتاج إلى قرار قوي للتخلص منه. إذ خطورة الحياة بلا عواطف أضر على الإنسان من الإدمان على المدمرات والملوثات، ولا يكفي جسد قوي وعقل حكيم بلا مشاعر ولا أحاسيس، جزء كبير من السعادة الذاتية وسعادة الآخرين هذه العلاقات المبنية على الحب مع الآخرين، علاقات الأزواج وعلاقات الآباء مع الأبناء والزملاء في العمل والأرحام والنجاح هو التوازن بين الجسد والعقل والقلب.

إنّ إسلامنا يركز على الأسرة المتماسكة والمجتمع المتآلف والأمم المترابطة المتماسكة القائمة على المودة والمحبة والرحمة والعشرة الطيبة حيث الإبداع في الهدية الجميلة والكلمة الراقية، في الجانب المقابل عدم الاستماع ومقاطعة الحديث والإهمال والأنانية والكبر مدمرات عظام للنجاح في العلاقات مع الآخرين. والنبي عليه أفضل الصلاة والتسليم يعلمنا منزلة الخلق الحسن: "يبلغ المرء مرتبة الصائم القائم" مع الصيام والقيام يأتي حسن الخلق أعلى درجة ومرتبة " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ "قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ مَا الْمُتَشَدِّقُونَ؟ قَالَ : " الْمُتَكَبِّرُونَ" .قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ " .

كما أنّ الأخلاق الحسنة تنبثق من النية الخالصة لله سبحانه وتعالى، يحاور المسيء ويغفر للمخطئ، رقي في المعاملات والأدب والمفاوضات هذا يكسبك خير الدنيا وخير الآخرة. ارجع بذاكرتك في آخر رمضان عشته وأدركته، تذكر بالتحديد صباح يوم العيد، تذكر كم من الأفراد صافحتهم وأنت لا تعرف أسماءهم، تذكر كم شخص عانقته وهنأته بالعيد وأنت لا تعرفه، هذه ثمرات الصيام، وبركة من بركاته، إذا أديناه على أصوله الشرعية، واعتدنا ارتياد المساجد في رمضان وغيره.

وشهر رمضان شهر التكافل الاجتماعي وهذا مصطلح نستعمله في حياتنا اليومية، يشير إلى التعاون فيما بينا وأهمية أن يحمل بعضنا عبء بعض، وأن يتعهد كل واحد منّا الآخر بالسؤال والبر، وأن يبادر إلى تقديم المساعدة ما وجد إلى ذلك سبيلا وأن يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسُ شَاةٍ، فَقَالَ : إِنَّ أَخِي فُلانًا وَعِيَالِهِ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنِّي، فَبَعَثَ بِهَا وَاحِدٌ إِلَى آخَرَ ، حَتَّى تَدَاوَلَهَا أَهْلُ سَبْعَةِ أبْيَاتٍ، حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الأَوَّلِ، فَنَزَلَتْ: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.

وشهر رمضان هو شهر المواساة يشعر الصائم بشعور المسلمين الآخرين، يعرف أحوال مجتمعه، ويترجم هذا الشعور إلى حركة وأعمال تطوعية. ويستمع إلى المواعظ التي تحكي حديث النبي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أوتقضي عنه ديناً، أوتطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، ثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل. فلا يهنأ له طعام حتى يقاسم لجاره منه، ولا يهنأ لوليمة حتى يطعم منه الفقراء وأهل الحاجة، ويجعل من أهدافه في هذا الشهر الفضيل إدخال السرور إلى الفقراء والمحتاجين بالسؤال عنهم وبذل المعروف بهم وتفريح الكرب وقضاء الديون والتصدق عليهم. ولك أن تتخيل الحياة الكريمة التي ينعم بها مجتمع يتقاسم فيه الأفراد لقمة العيش ورغيف الخبز وشربة الماء، إنّه مجتمع يستحق الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك