"حماية المستهلك".. إرادة دولة وإخلاص موظفين

إسماعيل بن صالح الأغبري

الهيئة العامة لحماية المستهلك ورغم قصر مدة إنشائها إلا أنّه ذاع صيتها وانتشرت أخبارها الإيجابية، وحضيت هذه الهيئة بإعجاب منقطع النظير، بل كأنها الهيئة الوحيدة التي نالت إجماعاً ورضا بما تقوم به من مختلف شرائح المجتمع إلا من تضرر منها بسبب كشفها له نتيجة ارتكابه المخالفات.

وتمكنت الهيئة من حمل كثير من التجار على ما يشبه حالة الاستنفار التام إذ يتوقعون حلول موظفي الهيئة عليهم في أيّ وقت وأيّ مكان من أمكنة بضاعتهم المخزنة أو المعروضة على السواء. أخبار ما ترصده الهيئة يعرض على المواطن في وسائل الإعلام الرسمية قبل الأهلية، وتبث الوقائع بالصور التي تدعم ما يضبطه الموظفون المخلصون الوطنيون بالهيئة، وهم بذلك يساهمون في بناء عمان وتجنيبها مخاطر المتاجرة ببنيها أو العبث بصحتهم وسلامة حياتهم. وتمكنت الهيئة في فترة وجيزة من الكشف عن التلاعب في أقوات الناس ومشاربهم ووسائل تنقلاتهم وكشفت الهيئة عن جشع البعض ممن ينتمي لهذه البلاد بما يقوم به من الإضرار بسلامة العماني والمُقيم على السواء. وسجلت الهيئة بما رصدته عن نوع من أنواع البشر الذين مات ضميرهم وضعفت صلتهم بربهم وإسلامهم ومات فيهم أو قاب قوسين أو أدنى الحس الوطني.

لقد باتت هيئة حماية المستهلك تمثل الرقيب والمتابع الراصد لكل ما يتعلق بأنواع المبيعات سواء أكان ذلك مما له صلة بسلامة غذاء النّاس أو مشربهم أو ملبسهم، بل تعدت ذلك إلى ما يتعلق بأدوات تنقلهم من مركبات. وكشف حراك الهيئة عن أمور منها ضعف الوزاع الديني عند عدد من الناس من خلال حرصهم على مجرد جمع المال دون مبالاة بمخالفتهم التعاليم الشرعية. ومن خلال حراك الهيئة تبين أنّ بعضًا ممن ينتسبون إلى هذه الأرض الطيبة أو يقيمون عليها يؤذونها ويؤذون أهلها وهم عاقون لها، ليس لهم من الانتماء لهذا الوطن إلا الأوراق الثبوتية الجافة الخالية من كل معاني الوطنية. وكشف حراك الهيئة عن حفنة من الناس أموات غير أحياء على الحقيقة، غايتهم بلوغ عالي الدرجات المالية مع انحطاط قيمي وتخلف أخلاقي، إلههم المادة وربهم المال ولو كان من غير حله ولا وجهته الصحيحة.

يا ترى كم تسبب هؤلاء في الإضرار بعُمان وأبناء عمان؟ كم مريض اشتدت حالته بسببهم؟ كم من عجوز طاعن في السن كانوا سببًا في تفاقم حالته الصحية بسبب تزويرهم في الغذاء والدواء؟ كم من طفل بريء آذوه بسبب ما تناوله من حلويات وأطعمة فاسدة عجلت بإصابته في كبده أو كليته؟.

إن هذه المؤسسة أو الهيئة لا يسع الإنسان العماني الوطني والمقيم على أرض عمان إلا أن يقدم لها بالغ الاحترام ووافر التقدير على ما تبذله من جهد، وما تستفرغه من وسع في سبيل الحفاظ على الإنسان سليما معافى من خلال سلامة غذائه وكسائه ودوائه ووسائل تنقلاته.

إنّ هذا الحراك ينبئ عن إخلاص القائمين عليها والمنتسبين لها من أصغر موظف إلى أكبر موظف مع ما يتحملونه من ضغط مزدوج، ضغط يحاول التأثير عليهم لتغيير الوجهة والمسار أو على أقل تقدير التخفيف من عمليات المراقبة والمتابعة والرصد.

إنّ هذا الحراك هو بدعم مباشر من رأس الدولة، ومباركة لكل خطواتها وإلا لما أمكنها بلوغ أماكن والوصول إلى نتائج رغم قصر مدة نشأتها.

مع هذه الحقيقة إلا أنّه من عجائب بعض الناس بدل مطالبة الهيئة بالمزيد وتوجيه خالص الشكر للدولة لإنشاء هذه الهيئة ارتدت ألسنة بعض الناس على الحكومة لومًا لها وتقريعًا وأحياناً اتهاماً علماً بأنها هي التي أطلقت يدها عبر المرسوم السلطاني القاضي بإنشائها. وإذا من أحكام مخففة فذلك ليس محاباة أو مجاملة، ولكن نظرًا لأن القوانين مضى عليها زمن طويل، وقطعا تحتاج إلى إعادة نظر وهو أمر آت آت آت في المستقبل المنظور لا البعيد.

العتب على بعض المواطنين كيف يؤجرون منازلهم أو مزارعهم أو بيوتهم في حاراتهم القديمة لعمالة وافدة تعمد إلى التلاعب بأنواع الأرز عمدة عماد حياة الناس في السلطنة؟ مقابل دراهم معدودات؟ كيف يعمد عماني إلى التستر على عمالة وافدة هاربة، تخرب البلاد مقابل تلقيه دراهم معدودات؟ كيف يعمد البعض على تأجير بيته القديم في حارة مهجورة لعمالة وافدة أو يتبنى بنفسه مع العمالة عملية تبديل تواريخ السلع أو التلاعب في إطارات السيارات؟.

إن الناس اليوم تتحدث عن فساد في الحكومة، وذات الذي يتحدث عن فساد حكومي يمارس أبشع أنواع الفساد وبثمن بخس زهيد عندما يقوم بالتستر على العمالة الهاربة الوافدة، أجهزة الدولة الأمنية ترهق نفسها ليلاً ونهارًا وبرًا وبحرًا وجوًا رصدًا ومتابعة لأي متسلل، يهرب معه السموم من مخدرات يقتل بها أبناء عمان، وقد يصاب المنتسبون لهذه الأجهزة الأمنية بعيارات نارية تؤدي بحياتهم أو يصاب الواحد منهم بعاهات دائمة ثم يأتي بعض من المواطنين يتسترون على الهاربين المتسللين؟ أليس هذا هو الفساد بعينه؟ هل ما يسمى بالفساد الحكومي حرام، وفساد بعض المواطنين حلال؟ مالكم كيف تحكمون؟.

تقوم الدولة بمداهمات وملاحقات لهذه العمالة غير المرخص لها أو الداخلة بطريقة غير شرعية أو التي تمارس أعمالا منافية لقيم المجتمع أو تمارس أعمالا بخلاف النشاط المصرح لها بممارسته لكن للأسف يعمد بعض المواطنين لمحاولة إخفاء تلك العمالة أو إشعارها بوقت المداهمة إن أحس بشيء من ذلك؟ أليس هذا هو عين الفساد؟ كيف ندد بفساد محتمل، ونمارس فسادا متيقنًا؟ البعض يتدخل ويتشفع ويضغط من أجل العفو عن مفسد مضر بالبلاد، وهذا يتنافى مع ترمومتر الوطنية، بل الأولى دعم الدولة في هذا التوجه والتكاتف معها لا الضغط عليها.

الخلاصة الفساد ظاهرة عامة متفشية في كافة دول العالم، وليس هناك ما يسمى بالمدينة الفاضلة على أرض الواقع إلا ما يدور في مخيلة أفلاطون، وفي عهد الأنبياء والأوفياء من سرق وزنا وقتل وسفك الدم الحرام وكذب وتلاعب (من غشنا فليس منّا) وفي عهد الخلفاء ومن كان على شاكلتهم من ارتكب الموبقات وجاء بالمهلكات ووقع في المحرمات وأتى بالشبهات.

شكرًا لهيئة حماية المستهلك، شكرًا لموظفيها من أصغرهم رتبة وظيفية إلى أكبرهم رتبة وظيفية.

إنها هيئة وطنية رسمية ليست تطوعية ولدت بمرسوم سلطاني أي وجودها وحراكها بمباركة ورعاية من أعلى المستويات، ولو لم تكن هناك جدية من الدولة في عمل الهيئة لما أمكن للهيئة أن تطلق يدها في كل موقع ومجمع، ولو لم تكن هناك إرادة دولة لتم تقليص مساحة حركتها فلماذا العودة إلى لوم الدولة كل ساعة وحين؟.

تعليق عبر الفيس بوك