واقع عمال النظافة في مؤسساتنا..!

سيف بن سالم المعمري

قبل عشرين عاماً تقريبًا كان "الفراش" وهو المُوظف المسؤول عن نظافة مرافق المؤسسة وترتيب المكاتب بالإضافة إلى قيامه بأدوار أخرى كنقل المراسلات الورقية من مكتب إلى آخر بمكاتب المؤسسة، وكذلك تقديم الشاي والقهوة للموظفين وضيوف المؤسسة في حال عدم وجود الموظف الذي يسمى "المُباشر" وهو الموظف الذي يقوم بإعداد وتقديم الشاي والقهوة، وفي الغالب كان من يعمل بوظيفتي "الفراش" و"المباشر" أو "المراسل" في المؤسسات الحكومية هم عُمانيون ذكوراً وإناثاً.

ولا تزال الوظيفتان موجودتين في مؤسساتنا الحكومية حتى الآن، وإن اختلفت أدوار العاملين فيهما، حيث أصبحت نظافة مرافق المؤسسة من مهام شركات النظافة التي أصبحت تنافس على تقديم أفضل الخدمات وبمستويات عالية من الجودة.

وتقوم شركة النظافة التي تفوز بمناقصة القيام بأعمال النظافة في مؤسسة معينة بتوفير عدد من عُمال النظافة يتناسب وحجم المؤسسة وتوسعاتها الإدارية والذين يكونون في الغالب وافدين، بالإضافة إلى التزام الشركة بتوفير المنظفات والمطهرات والبخور والمناديل الورقية وأدوات النظافة المُختلفة.

وفي هذا المقال سأتطرق لتجاوزات تحدث من قبل المؤسسات الحكومية تجاه عُمال النظافة حيث يُلاحظ على بعض المؤسسات إسناد مهام عمل إضافية لعمال النظافة كنقل المراسلات الورقية داخل المؤسسة وإعداد وتقديم الشاي والقهوة للموظفين وضيوف المؤسسة-وللأسف من يقوم بإعداد وتقديم الشاي والقهوة هم ذاتهم الذين يقومون بتنظيف مختلف مرافق المؤسسة-، بالإضافة إلى تكليف بعض المسؤولين لعُمال النظافة بختم الأوراق الرسمية بالختم الرسمي للمسؤول والمؤسسة، وكذلك تكليف العُمال بغسل سيارات المسؤولين داخل مواقف المؤسسة بمقابل مادي أحياناً وبدون مقابل مادي في أحيان كثيرة.

كذلك هناك تجاوزات تحدث من قبل شركات النظافة تجاه عمالها فكثيرًا ما يشتكي عمال النظافة من صاحب الشركة وعدم التزامه بدفع أجورهم لمدة قد تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من ثمانية أشهر وأحيانًا أقل من ذلك بقليل، ولا يجدون ملجأ إلا الصبر على معاناتهم فليس لهم حول ولا قوة، والبعض الآخر يلجأ إلى الهروب من العمل وأحياناً إلى القيام بأعمال أخرى، كحمل بضاعة المتسوقين في أسواق الأسماك والخضار والفاكهة أو بيع بطاقات تعبئة الهاتف النقال وغيرها.

ويقوم بعض أصحاب شركات النظافة بتعيين العمالة السائبة في شركاتهم وبتوزيعهم في مواقع العمل في بعض المؤسسات، وقد يستغل حاجتهم للعمل ويدفع لهم أجورا متدنية وقد لا يلتزم بدفعها لهم إلا بعد مضي عدة أشهر، لمعرفته بأنهم لا يستطيعون الشكوى منه وليس عليهم إلا الصبر على معاناتهم.

كذلك يقوم بعض أصحاب شركات النظافة بتشغيل عمالة في مواقع أخرى خلال الفترة المسائية بعد انتهاء الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية وكذلك في أيام الإجازات والعطل الرسمية، بالإضافة إلى توظيف عمال نظافة على كفالته وهم قدموا للعمل في مهن أخرى كوظيفة بائع أو طباخ وغيرها، علاوة على أن بعض عمال النظافة يقضون ساعات طويلة في العمل وخاصة عمال النظافة في المدارس حيث يعملون منذ ساعات الصباح الأولى وحتى قبيل المغرب وفي بعض الأحيان يواصلون العمل حتى فجر اليوم التالي، خاصة حينما يصادف زيارة اللجنة الرئيسية لمُسابقة المحافظة على النظافة والصحة في البيئة المدرسية للمحافظات التعليمية، بل أحياناً يُسند لعمال النظافة القيام بإصلاح الأثاث وأعمال الصباغة في المدارس.

فتلك الصور من التجاوزات عايشتها بنفسي وكنت قريبًا منها خلال اثني عشر عاما، وربما هناك صور أخرى لا تزال مخفية عن ناظري؛ لكن من خلال هذا المقال أوجه ثلاث رسائل فالأولى إلى أصحاب شركات النظافة والذي يمارسون تلك التجاوزات تجاه من وكلوا عليهم فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))[ متفق عليه ]

وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قبل أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ" رواه ابن ماجه، وليعظموا الأمانة فالله تعالى يقول في كتابه العزيز:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) سورة الأحزاب، وليتذكر أصحاب الشركات أن عمال النظافة قدموا للعمل وكسب الرزق، وأن لديهم أبناء وأسر يصرفون عليهم، وأن تأخير أجورهم يزيد من معاناتهم ويدفعهم لكسب المال بطرق غير قانونية.

ورسالتي الثانية للمسؤولين بالمؤسسات الحكومية -التي تعمل بها هذه الفئة من العمال- ، أن يحرص كل مسؤول على مراعاة حقوق عمال النظافة وعدم تكليفهم بمهام خارج مهام عملهم في المؤسسة كالصور التي سبق ذكرها في صدر المقال.

أما رسالتي الثالثة فهي إلى الجهات المعنية بحقوق العمال لمتابعة تلك الشركات والتدقيق على إجراءاتهم ومعاملاتهم وصرف أجورهم وقدرها تجاه عمال النظافة على وجه الخصوص كوزارة القوى العاملة واللجنة العُمانية لحقوق الإنسان والجهات الأخرى ذات العلاقة.

ولنعكس جميعاً الصور الحقيقة لمجتمعنا العُماني بعاداته وتقالديه النبيلة وأخلاقه وسُّمو معانيه الأصيلة، ولنجعل من هؤلاء العمال إخوانا وأبناءً وأصدقاءً لنا، لتبقى المحبة وتحفظ الحقوق لأصحابها.

ودمتم ودامت عُمان بخير ،،،

 Saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة