تمهين التعليم..

د. سليمان المحذوري

من المسلّم به أنّ التعليم يُعدّ ركيزة أساسيّة في تقدم ونهضة الشعوب والحضارات قديماً وحديثاً. فالعلم هو الخطوة الأولى لتطور الأمم في مختلف المجالات. ومن هذا المنطلق أخذ موضوع تطوير وتجويد التعليم حيزاً كبيراً من الاهتمام الدولي؛ وذلك بوضع الخطط الاستراتيجية لتحسين التعليم، وتخصيص الموارد الماليّة الكافية، والموارد البشريّة المُؤهلة لقطاع التعليم إيماناً بأهمية الاستثمار في التعليم.

واستناداً إلى مقال علي الصباغ بعنوان "الاستثمار في التعليم" فقد حافظت الدول الاسكندنافية مثل :السويد، والدنمارك، والنرويج بالإضافة إلى فنلندا على معدل دخل عال للفرد؛ بسبب الاهتمام الكبير الذي توليه هذه الدول للتعليم والاستثمار في تنميته. كما برزت النمور الآسيوية كأنموذج للنمو الاقتصادي المتسارع مثل: سنغافورة، واليابان، وماليزيا وكوريا الجنوبية التي راهنت على التعليم وتطوير نظامها التعليمي، كما أنّ نظمها التربوية تتّسم بالتركيز على الدور المهني على دور المعلم في إحداث التغيير المطلوب.

ومن المعلوم أنّ عناصر العمليّة التعليميّة تتضمن مجموعة من العناصر تشكّل نظاماً تربوياً متكاملاً بغرض تحقيق أهداف المنظومة التربوية كالمعلم، والطالب، والمنهج الدراسي، والوسائل التعليمية، والبيئة المدرسية وغيرها (ابراهيم العبيدي، موقع موضوع). ورغم أنّه لا يُمكن ترجيح أو تغليب عنصر على آخر من هذه العناصر في الأهميّة من أجل الوصول إلى نظام تعليمي متطور؛ الا أنّه وعوداً على ما تمّ ذكره من تفوق بعض الأنظمة التعليمية عالمياً سواء في آسيا أو أوروبا ولنأخذ مثالا واحدا كفنلندا يُعزى تفوقها في مجال التعليم إلى السياسات التعليمية المُتّبعة؛ حيث إنّ تطوير التعليم العام لا يستند إلى خصخصة التعليم أو الامتحانات المستمرة للطلاب؛ بل من خلال تعزيز ودعم مهنة التعليم والاستثمار في إعداد المعلم؛ إذ يُشترط أن يحصل المعلم الفنلندي على درجة الماجستير بعد مروره بمنافسة صعبة حيث يتم قبول 10% فقط من المتقدمين لكليات التربية في الجامعات الفنلندية. كما يعمل المعلم من خلال معارفه ومهاراته باستقلالية في فصله الدراسي، وله حرية الاختيار في تصميم منهجه وفقاً لضوابط عامة فضلاً عن اختيار الأساليب المُناسبة لطلابه، ويكون دائماً على أهبة الاستعداد لتطوير مهاراته المهنية مواكبةً للمستجدات في حقل التعليم، ويُشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة بتطوير التعليم؛ لذلك فلا غرو أن يكون المعلم في فنلندا محل تقدير واعتزاز من المجتمع (Maes,B. What makes education in Finland that good? .(

كما أنّ مُداخلات أعضاء مجلس الشورى يومي 29 و 30 مايو 2016م مع معالي وزيرة التربية والتعليم أكّدت على أهميّة ايلاء المعلم مزيداً من الاهتمام - إن لم يكن جلّه - باعتباره المُحرك الأساسي للعملية التعليمية؛ فعلى سبيل المثال طالب سعادة سليمان الراجحي أن تكون وزارة التربية والتعليم هيئة مستقلة ادارياً ومالياً خارج قانون الخدمة المدنية. وفي ذات السياق أشار سعادة محمد الحجري إلى أنّ "التحفيز والمحاسبة هما قوام الجودة في أي منظومة وهو ما يفتقده الميدان التربوي وهو السبب الأهم في انخفاض الدافعية وهبوط الرضا الوظيفي لدى المعلمين".

وبناءً على ما تقدم ومن أجل الرقي بالمنظومة التعليمية في السلطنة أرى من الأهمية بمكان أن يتمّ اختيار المعلمين بدايةً منذ تقديم الطلبات للدخول إلى كليات التربية كما هو الحال بالنسبة للنظام المتبع في فنلندا؛ بحيث يتم اختيار المتقدمين من ذوي المعدلات المرتفعة فضلاً على أن يكون اجتياز المقابلة شرطاً أساسياً للقبول في كليات التربية؛ ولكن قبل الإقدام على هذه الخطوة لا بد من ضمان وجود مهنة تعليم جاذبة ومُحفّزة لمن سيلتحق بها وفقاً لنظام حوافز وامتيازات وترقيات لا تتوفر إلا للمعلم، حتى يكون المعلم شريكاً أساسياً وفاعلاً في صنع القرارات المتعلقة بالعملية التعليمية. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ خضوع وزارة التربية والتعليم لقانون الخدمة المدنية لا يلبي هذا الطموح وإن كان قانون التعليم الذي نترقب صدوره قد عالج بعضاً من هذه المسائل؛ إلا إنني أرى نظراً لأهمية التعليم وخصوصية وظيفة المعلم أنّ استقلالية وزارة التربية والتعليم عن نظام الخدمة المدنية أمر جد مهم على غرار بعض المؤسسات في السلطنة مما سيُمكّن الوزارة من المُضي قدماً نحو تحقيق الأهداف التي ترنو إليها لتطوير وتجويد الخدمة التعليمة وفقاً لتطلعات المجتمع، ومواكبةً للتغيرات العالمية السياسية والاقتصادية والثقافية.

وكما بدأت المقال أختمه بأنّ التعليم هو أساس نهضة الشعوب وبناء الأجيال لمستقبل آمن، والارتقاء بالتعليم بات مطلباً مُلحّاً، واستثماراً ناجعاً للولوج إلى عالم العلم والمعرفة والابتكار والمُساهمة في صناعة مستقبل السلطنة وتقدمها علمياً وثقافياً واقتصادياً.

abu-alazher172@hotmail.com 

تعليق عبر الفيس بوك