"ساق البامبو".. من الرواية الأدبية إلى العمل التلفزيوني

منذ أن أُعلن عن العمل التلفزيوني "ساق البامبو" وهو المقتبس من رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي حتى سال حبر الكُتاب والنقاد والمشاهدين عن ماهية هذا العمل، وكيف سيظهر هذا العمل التلفزيوني المقتبس من رواية مكتوبة، ربما لقلة أو ندرة الأعمال الروائية العربية التي تمّ تحويلها إلى عمل تلفزيوني. سال حبرهم ما بين مؤيد ومعارض، ما بين من يعتقد أنّ مثل هذه الأعمال الروائية التي نالت جوائز محليّة وعالميّة يجب أن تتجسد على هيئة أعمال تلفزيونية أو سينمائية، وما بين معارض ومُعتقد أنّ تجسيد هذه الأعمال الروائية الأدبية من الورق إلى شاشات التلفاز أو شاشات السينما يضر بسمعتها أكثر مما يفيدها.

تحدث الكثيرون عن العمل التلفزيوني الجديد "ساق البامبو"، وهل بالفعل سيتمكن الممثلون من تجسيد أدوار الرواية بكل دقة، وهل سيتمكن المخرج، وكاتب السيناريو، وكاتب الرواية، وطاقم العمل من إيجاد ممثلين لهم القدرة على تجسيد الرواية وتحويلها إلى عمل تلفزيوني من 30 حلقة تقريبًا. وأصلا هل بالإمكان تحويل الأعمال الكتابية الأدبية الروائية إلى أعمال تلفزيونية درامية بدون المساس بجوهر الرواية وأصالتها.

دعوني هنا أولا أن أسجل إعجابي الشديد بالكاتب المتألق في جميع رواياته سعود السنعوسي، ودعوني أيضا أسجل إعجابي بكاتب سيناريو العمل التلفزيوني رامي عبد الرازق والمخرج محمد القفاص، وفريق العمل من ممثلين ومنتجين ومن هم خلف الكواليس أيضا.

عندما شاهدت الحلقة الأولى من المسلسل، توقعت أن أشاهد إسقاطًا لما قرأته في الكتاب، كل شيء بحذافيره، وربما توقع بعض المشاهدين ذلك أيضًا، ولأنني قرأت الرواية لأكثر من مرتين وسبرت أغوارها، كنت أحاول توقع ما سوف يجري بعد قليل، إلا أنني كنت أتفاجأ بالمشهد التالي، إلى أنّ انتهت الحلقة الأولى، وعلمت أنّه كان لابد من تغيير المشاهد، وتقديم بعض المشاهد على أخرى، بل وإضافة مشاهد جديدة لم تكن موجودة في النص الأصلي أو حتى أكون واضحا، في الرواية نفسها.

إلى الآن شاهدت جميع حلقات "ساق البامبو" وقد جُسدت الرواية بطريقة رائعة جدا، وتم اختيار الممثلين بعناية ودقة، فنحن نشاهد اختلافا كليا في العمل التلفزيوني هذا، اختلافا عن غيره من الأعمال التلفزيونية الأخرى، والمسلسلات التي سبق وأن عُرضت لنفس هؤلاء الممثلين. هذا العمل التلفزيوني المتقبس من عمل الأدبي، جسد لنا قضية التمييز في المجتمع الكويتي، وهو إسقاط لا بأس به على المجتمع الخليجي ككل، حيث إننا نرى ذلك يحدث مع "عيسى راشد الطاروف" إبن لعائلة كويتية محترمة، ومع "غسان" صاحب القضية التي من أجلها تناضل "هند الطاروف"، وهذا ما أورده السنعوسي في الرواية نفسها بطريقة أو بأخرى.

جسد لنا هذا العمل قضية الغنى الفاحش لبعض طبقات المجتمع الكويتي "عائلة الطاروف" وفي المقابل الفقر المدقع لبعض الطبقات الأخرى "غسان ووليد"، وفي الحقيقة يمكن إسقاط ذلك على المجتمعات الخليجية ككل، لأن هذه المجتمعات تتشارك في العادات والتقاليد وكذلك في الأفكار والدين والثقافة أيضا. من ناحية أخرى جسد لنا تمسك المجتمع الكويتي "الخليجي" بالعادات والتقاليد وإن كانت خاطئة من قبيل قضية "راشد الطاروف" عندما كان يريد الزواج من "هبة" وموقف أمه "غنيمة" غير المقتنع وغير المتقبل والرافض بشدة لفكرة هذا الارتباط بين عائلتين ليس لهما نفس الحَسب والنَسب ضاربين بعرض الحائط كل التعاليم الدينية الإسلامية التي تحث على "واظفر بذات الدين تربت يداك".

القضية الأساسية في هذا العمل التلفزيوني هي قضية "عيسى أو هوزيه" مع أسرة الطاروف، هذه الأسرة العريقة في المجتمع الكويتي والتي لا ترغب في الاعتراف به بسبب ولادته من "خادمة" وخوفا من "كلام الناس"، وفي الحقيقة يمكن أن نسقط هذا الحال على المجتمع الخليجي ككل، فهذا الاعتقاد سائد عند الجميع وليس حكرا على المجتمع الكويتي فقط.

لقد جسّد "ساق البامبو" من خلال الرواية أولا ومن ثمّ العمل التلفزيوني حياة المجتمع الخليجي ككل، ولكن تجسيدها من خلال العمل التلفزيوني سوف يكون له وقع أكبر، خصوصا أن عددا أكبر من شرائح المجتمع سوف يشاهد المسلسل ويتابعه حلقة بحلقة، وهنا أتمنى أن يحذو "فئران أمي حصة" لسعود السنعوسي نفسه حذو "ساق البامبو" في انتاجه كعمل تلفزيوني درامي، وربما روايات أخرى لكُتاب وروائيين آخرين.

تحية كبير إلى الكاتب الكويتي سعود السنعوسي والسيناريست رامي عبد الرازق والمخرج محمد القفاص، وفريق العمل من ممثلين ومنتجين وجميع من ساهموا في إنجاح هذا العمل.

د. رضا بن عيسى اللواتي

مسقط - سلطنة عمان

تعليق عبر الفيس بوك