" همسات من ماضينا الجميل"

طالب المقبالي

تتردَّد في أذهاننا أفكار وخواطر قد تكون غريبة أحياناً، وقد نندهش منها إذا ما أمعنَّا التفكير فيها لغرابتها وكيف خطرت في أذهاننا مثل هذه الأفكار الغريبة.

اليوم وعقب صلاة العصر وأنا عائد من المسجد كانت الشمس حامية والحرارة تلفح الوجوه، والعرق يتصبب من الجبين من شدة الحرارة، فخطر ببالي هذا السؤال وأنا أعبر الطريق الأسفلتي المُلتهب لأدخل في طريق أسمنتي قد يكون أقل حرارة، وأنا التفت يمنة ويسرى فأشاهد الشمس الحارقة على يميني وبمواجهتي جبل شاهق يطل على الرستاق امتداداً لسلسلة جبال الحجر الغربي.

فمع هذه المؤثرات البيئية المُحيطة خطر ببالي هذا السؤال، وربما ليست المرة الأولى "لماذا وجدت أنا في هذا المكان؟" طقس حار وهواءُ ملتهب، وأشجار ذبلت أوراقها من شدة الحرارة.

فإذا ما ركبنا السيارة نجدها تغلي من الداخل وكل شيء وضع بالداخل سوف يتلف من شدة الحرارة من مستلزماتنا اليومية، عطور، أجهزة إلكترونية، كاميرات، بعض الأغذية الخفيفة أحياناً للطريق، كل هذا يتلف بسبب الحرارة.

فنجد الوقت الأفضل في بلادنا هو من شهر أكتوبر إلى شهر أبريل، فيما بقية الأشهر حرارة ملتهبة، وكل منّا يتمنى أن يكون قد وجد في بيئة باردة ولطيفة تكسوها الخضرة وتهب عليها النسائم المنعشة.

ومع هجير الصيف دائماً تستحضرني أيام طفولتي التي ترتبط بإجازات المدارس.

طفولة ليس بها كهرباء ولا شوارع مسلفتة ولا منازل أسمنتية مكيفة، لكنها تبقى من وجهة نظري طفولة ممتعة، ارتبطت بالحقل والنخلة التي تطرح ثمارها في هذا الوقت من العام.

فمن منظوري الشخصي أن الحرارة في زماننا هذا تختلف عمّا كانت عليه في السابق، وهذا ليس من منظور علمي وإنما من مقارنات ومعايشة للعصرين واستنتاجات قد تكون صائبة وقد تكون غير ذلك.

قديماً وليس ببعيد أي قبل وجود طرق مرصوفة بالأسفلت، وسيارات تزيد من لهب الصيف حرارة بمحركاتها، ومنازل مبنية بالأسمنت، ومكيفات تلفظ بلهيب جدران الأسمنت إلى الخارج لتزيده حرارة، كنا نسير في الطرقات وقت الظهيرة، وكان يكفي أن نمشي تحت ظل جدار منزل طيني، أو تحت ظلال الأشجار لتهب علينا نسائم لطيفة باردة، وما أن يأتي المساء ويسدل الليل ستاره حتى تبدأ النسائم في البرودة.

وأذكر أننا مع بداية شهر مايو من كل عام نفترش باحة المسجد الخارجية ببساط الحصير عقب صلاة العصر وذلك للاستمتاع بالهواء العليل عند أداء صلاة المغرب والعشاء والفجر، وكانت الأجواء باردة، وعقب صلاة الفجر كنَّا ونحن أطفال نجمع هذه الحصائر ونُدخلها داخل المسجد بأوامر من الكبار، ويستمر الوضع على هذا طوال فترة الصيف حتى نهاية شهر سبتمبر من كل عام، حينها نحزن كأطفال لوداع فصل جميل، لكنها تمتزج بفرحة العودة إلى المدارس. وفي المساء وعقب صلاة المغرب كنّا نصعد إلى سطح المنزل لنجد أمهاتنا رحمة الله عليهن قد رششن أرضيات سطح المنازل الطينية بالماء كي تبرد .

ثم تقوم الأمهات بافتراش الحصير وما تيسر من فراش النوم فتتركنه لنعود إليه وقت النوم فنجده قد اكتسب البرودة من الندى الليلي.

وقبيل أذان المغرب نذهب لأداء الصلاة، ثم نجتمع لتناول العشاء على ضوء القنديل الذي تتراقص حوله فراشات الليل، حيث تحترق بعض الفراشات التي تسللت إلى داخل القنديل لتحترق بالشعلة المضيئة. وبعد تناول العشاء نجلس نتجاذب أطراف الحديث ونستذكر محفوظاتنا ودروسنا حتى موعد صلاة العشاء، بعد ذلك نذهب لأداء الصلاة جماعة، وبعد الصلاة نحضر الجلسة العلمية التي يعقدها والدي رحمه الله مع بعض العلماء والطلبة لتدارس علوم الفقه والحديث والتوحيد والنحو والتاريخ وغيرها من العلوم.

واستكمالاً للذكريات الجميلة ننهض باكرا لأداء صلاة الفجر، وبعد الصلاة يعقد والدي مع المصلين حلقة دائرية لقراءة القرآن الكريم حتى شروق الشمس، وبعدها ينتشر الجميع كل إلى مجال عمله، فالموظف إلى مؤسسته، والفلاح إلى حقله، والطالب إلى مدرسته.

ماض يفوح عبقه بالذكريات الجميلة، صلاة الجماعة في وقتها، حلقات قرآنية وحلقات تعليمية، واجتماعات عائلية وصلة أرحام، وتواصل بين الجيران يسوده التآلف والمحبة، عالم خالٍ من الواتس آب والفيسبوك وتويتر وغيرها.

muqbali@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك