خالد الخوالدي
إنَّ المساجد هي مصدر إشعاع علمي وثقافي وأدبي وديني وعسكري؛ حيث تخرَّج منها العلماء والفقهاء والأدباء والأطباء والعسكريون، وإن كان العصر الحديث أفرد لكل علم من هذه العلوم جامعات متخصصة ومؤسسات مختصة، إلا أنَّ المسجد لا يزال يُمكن أن يصنع أجيالا صالحة، تفيد المجتمع والدولة وتقدم الخير للبشرية، إذا ما أُحسن استغلاله الاستغلال الأمثل، وها هو شهر الخير يفتح المجال للمخلصين أن يقدموا جهدَهم في تعليم وتحفيظ الأطفال القرآن الكريم الذي يعد الدستور الأول الذي يجب أن يتعلمه أطفالنا قبل أن يشرعوا في التعرف على الدساتير البشرية.
وكما هو معلوم، فإن تعليم وتحفيظ القرآن الكريم ليس مقصورًا على فئة معينة، وإنما على جميع الفئات أن تبذل جهدها بداية من الأسرة مرورا بمن يُجيد قراءة وتجويد القرآن الكريم، إلا أن الدور الأكبر يناط من وجهة نظري إلى أئمة المساجد والجوامع المنتشرة في السلطنة، خاصة بعد أن قامت الحكومة مشكورة بتعيين أئمة قائمين على هذه المساجد والجوامع وتصرف لهم رواتب شهرية أو رواتب مقطوعة في بعض الأحيان، إلا أنَّ الأغلب منهم يصرف له مبلغ معين شهريًّا، وإن قال قائلا منهم إنَّهم مسؤولون عن الصلاة فقط فلعمري إنَّ هذا هو الخطأ الفادح والمؤسف حيث كنا وكانوا -وأقصد الأئمة الذين يقولون بهذا القول- نتذكر كيف كانت حلقات القرآن الكريم تُقام في مساجدنا الصغيرة في الحواري، خاصة في الإجازة الصيفية وفي شهر رمضان المبارك، وكان يديرها إمام المسجد أو أحد المتطوعين من المعلمين في الحارة، وكانت أعداد كبيرة تحضر هذه الحلقات، واليوم نستغرب أن هذه الحلقات اختفت من بعض الحارات رغم وجود إمام ثابت ومقيم في المسجد وعلى دراية ومعرفة وعلم بكتاب الله.
... إنَّ الرسالة التي أرغب في إرسالها من خلال هذا المقال، مُوجَّهة إلى أئمة المساجد والجوامع، وتتلخص في أن يُعيدوا لنا حلقات القرآن الكريم في حوارينا دون أن نتكبَّد عناء البحث عن مدارس تحفيظ القران الكريم لأبنائنا في المدارس الخاصة والأهلية والتي تبعد عنا مسافات، وتحتاج إلى وسيلة نقل، ولا نستطيع مراقبتهم ولا نعرف عن أحوالهم، والوقت مناسب لكم أيها الأئمة فها هو شهر الرحمة وشهر القرآن يدعوكم لأن تشمروا عن سواعد الجد لاغتنام فضل أوقات هذا الشهر الكريم فساعة أو ساعتين بعد صلاة العصر قد تنير قلوب عشرات أو مئات من الأطفال الذين سرقتهم الأجهزة الإلكترونية والآيباد والتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي.
إنَّها دعوة من القلب لعلها تصل إلى قلوب المخلصين الصادقين من أئمة المساجد والجوامع في مختلف ربوع عماننا الحبيبة، ممن لا توجد عندهم حلقات لتجويد وتحفيظ القران أن يعملوا جاهدين من اليوم على استغلال هذا الشهر المبارك ليكون انطلاقتهم نحو ذلك؛ فحبينا صلى عليه وسلم يقول: "علموا أولادكم القرآن، فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو". ويقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
والدعوة موصولة لكل من يرى في نفسه المقدرة والاستطاعة والعلم بكتاب الله أنْ لا يبخل بتعليمنا وتعليم الأجيال الناشئة قراءة القرآن الكريم وتجويده، ومن ثمَّ حفظه؛ فقدوتنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"، وإذا كان الحديث يحدد العلوم التي يجب بيانها للناس وليس كل العلوم، فإنَّ علوم القرآن وتعليمه مما يجب بيانه للناس وهو الأول على الإطلاق، والدعوة لأولياء الأمور بحثِّ أبنائهم على الاشتراك في هذه الحلقات واستغلال أوقاتهم فيما يُرضِي الله سبحانه وتعالى بدلًا من النوم والسهر واللعب بمختلف أنواعه؛ فالله سبحانه وتعالى مُحاسِبهم جميعا على أي تقصير في هذا الجانب...ودمتم ودامت عمان بخير!