إسماعيل بن صالح الأغبري
عمان وإيران (فارس) دولتان لهما عمق تاريخي وسبق وجودي، وكلاهما يُمثل حضارة مُستقلة ضاربة بجذورها في التاريخ، وهما من ضمن الدول القلائل التي حُظيت بشرف خطاب موجه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك هاتين الدولتين.
عُمان دولة عريقة قديمة أصيلة في الجزيرة العربية، وكيان سياسي قائم بذاته، وهو ما يُميزها عن غيرها في هذه الجزيرة، وهو ما سوف ينعكس إيجابًا في علاقاتها مع الآخر.
اقتضت إرادة جلالة السُّلطان قابوس منذ أن ولي أمر عُمان عام 1970م، الانفتاح المدروس على دول العالم كافة مع التَّشديد في خطاباته على ضرورة المحافظة على الشخصية العُمانية سياسياً وثقافياً، وأن الانفتاح لا يعني الذوبان في الآخر.
انضمت السلطنة إلى جامعة الدول العربية، باعتبار أنّ السلطنة دولة عربية، وأكثر سكانها من أصول أزدية، ويمثل العرب عمقاً لها، كما انضمت إلى منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي) باعتبار أنّ دين الدولة الإسلام، وأنّ أهل عُمان من الشعوب القلائل التي اعتنقت الإسلام طوعاً لا كرهاً، رغبة لا رهبة، من غير رفع سيف في وجه النبي، ومن غير مُعاندة لرسالته، وكذلك الشعب العُماني كان مميزا باستمساكه بالإسلام، إذ لم يتخل العمانيون عن الإسلام بعد وفاة نبي الإسلام، فلم يكن منهم ردة أو مقاومة دموية للخليفة أبي بكر الصديق.
وانضمت السلطنة فور تولي جلالة السُّلطان مقاليد الحكم إلى الأمم المُتحدة، باعتبارها جامعة لدول العالم، ووجود الدول فيها يعني اعترافاً عالمياً بها، ومنع تهديدها أو العدوان عليها.
كانت السلطنة من الدول المُؤثرة والفاعلة والمؤسسة لمنظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
والسلطنة عضو بارز في أكثر المنظمات الإقليمية والدولية التي تدعم التواصل الإنساني، وتعتني بحقوق الإنسان أياً كان لونه أو عرقه أو جنسه أو قوميته، وتعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار العالميين.
ارتضت السلطنة منهجاً ميزها عن غيرها في سياستها وهو اعتماد همزة الوصل بالمعنى السياسي لا همزة القطع وهو الذي أكسب علاقاتها مع الإقليم والعالم الثبات وعدم التقلب مما يعني ثقة العالم بالسياسة العمانية من حيث وضوح المبدأ وعدم مزاجية السياسة العمانية وبُعدها عن العاطفية والانفعالية التي لا تليق بسياسة العقلاء، والدول العريقة في ثقافتها، الراسخة في موروثها، العميقة في وجودها الجغرافي.
إيران وعُمان دولتان جارتان، يشرفان على مضيق هرمز، شريان حياة الخليج، وحلقوم دول المجلس، الذي عبره تمر ناقلات النَّفط، مع ملاحظة أن جانب المضيق العميق الصالح للملاحة الدولية تشرف عليه السلطنة.
إنّ ضمان سلامة المضيق يقتضي التنسيق التام، وهو أمر يعود بالمنفعة على دول الخليج وللعالم بأسره، ولو وجدت دولة أخرى غير إيران تتشارك في المضيق لأقامت السلطنة أيضًا معها علاقات طبيعية، دعمًا للسلم العالمي.
إنّ حُسن الجوار وضرورة التَّفاهم ليس فقط حاجة سياسية وحنكة في إدارة الدول، بل هو مبدأ إسلامي نطق به القرآن الكريم والسنة النبوية، فعُمان تحتفظ بجميل العلاقات مع الجوار كافة دينًا وسياسة، فأين الغرابة في ذلك؟ إنّها علاقات طبيعية تقتضيها مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وفن السياسة والحرص على المصالح المشتركة.
غير الطبيعي والاستثنائي هو التوتر الدائم في العلاقات والوصل في العلاقات تارة ثم الفصل تارة أخرى ثم الوصل مرة ثالثة، وهذا يدل على اضطراب حبل السياسة والمزاجية في إدارة دفة العلاقات الإقليمية والدولية ودخول العاطفة في سياسة الدول، وإذا أُديرت الدول بالعاطفة والانفعالات فلا يستبعد المراقبون كثرة التقلبات ونشأة الأزمات والتضحية بالمُنجزات وسياسة السلطنة مغايرة لذلك تمامًا.
عُمان دولة مُسلمة وإيران جار مسلم أيضًا، وحيث إنّ الجامع بينهما الإسلام عقيدة، وكلاهما عضو في منظمة التعاون الإسلامي فمن الطبيعي أن تُقيم السلطنة علاقات طبيعية مع إيران كما تقيم علاقات طبيعية مع دول الخليج والجزيرة العربية، فلماذا يراد من عمان أن يضطرب حبل علاقاتها مع إيران، تصل علاقاتها معها إذا وصلها الآخرون، وتتوتر علاقاتها مع إيران إذا توترت علاقات الآخرين معها؟ عمان دولة مستقلة عريقة.
العلاقات العمانية الإيرانية طبيعية لكن غير الطبيعي هو إقامة بعض الدول التي تنتقد السلطنة أفضل العلاقات مع كافة الدول الغربية البعيدة جغرافياً المحتلة للعالم الإسلامي تاريخيًا، الداعمة لإسرائيل بلا حد ولا عد، وتقوية الروابط الاقتصادية والسياسية معها بينما يتم العمل على اعتبار دولة جارة مسلمة العدو الأول.
فارس (إيران) احتلت عُمان قبل الإسلام، فنازلها أهل عُمان، فأخرجوا الفرس من عُمان بقوة الحديد والنّار، ثم بعد التحرير بعقود عاد الفرس إلى عُمان محتلين فشمَّر مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد ساعد الجد، وأعلن الجهاد عليهم لطردهم من عُمان، وهو حق مكفول في الشريعة الإسلامية، ومكفول في شرعة الأمم المتحدة، فلما تمكن أهل عُمان منهم وانتهى العدوان على عُمان لزم إقامة العلاقات الطبيعية مع إيران.
إنّ هذه العلاقات طبيعية جداً فعمان تقيم علاقات طبيعية مع البرتغال، وهي الدولة التي غزت عُمان والخليج والهند وشرق أفريقيا، فلم يقم أحد بمطاردة البرتغالين إلا أهل عُمان أيام الأئمة ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف وسيف بن سلطان، فتم تحرير عمان والجزيرة العربية والهند وشرق أفريقيا من قبضة البرتغاليين، فلما انتهى العدوان أقامت السلطنة تلك العلاقات وغير الطبيعي هو معاداة البرتغال وأسبانيا أبد الآبدين واستحضار أيام الأندلس وما جرى.
إيطاليا احتلت ليبيا، وصارعها الليبيون حتى أخرجوها ثم أقيمت العلاقات بين البلدين السياسية والتجارية والعلمية ومن غير الطبيعي استمرار العداء بين البلدين.
فرنسا احتلت سوريا ثم صارعها السوريون وبعدها أقيمت العلاقات بين البلدين بل صارت فرنسا إحدى الدول المهمة للطلبة للسوريين ومن غير الطبيعي بقاء العداء بينهما.
فرنسا وبريطانيا شنتا عدواناً على مصر واحتلتا ذلك القطر ثم تمكن المصريون من إخراجهما من مصر ومن الطبيعي بعدها إقامة علاقات طبيعية.
فرنسا احتلت الجزائر وسقط من الجزائريين في سبيل التحرير مليون ونصف المليون شهيد ثم أُقيمت العلاقات بينهما وهذا شأن العلاقات المغربية الإسبانية.
من الأمور غير الطبيعية والتي لا تدخل في فن السياسة وبعيدة تماماً عن الدبلوماسية أن يرى البعض العلاقات العمانية الإيرانية غير طبيعية، مع إقامة هذا البعض من الدول أوثق العلاقات مع مصر رغم أنّ مصر تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وعلم تل أبيب يرفرف في القاهرة، بينما علم القاهرة يرفرف في تل أبيب.
إنّ إقامة مصر علاقات مع إسرائيل أمر عادي، لأنّ مصر هي التي تحملت خسائر الأرواح والمعدات وهي التي بسبب الحروب المُتعددة مع إسرائيل تأخرت التنمية فيها، بينما العرب لم يساهموا إلا بالنزر اليسير في هذه الحروب فهل يمكن أن يلوم أحد مصر على تلك العلاقة أو يقطع علاقته بمصر بحجة إقامتها علاقات مع إسرائيل؟.
إنّ إيران ليست إسرائيل قطعًا، بل جار مُسلم لم يعتد على الأرض العمانية، ولم يثبت عدوانه على أيّ من الدول فكيف يتم انتقاد السلطنة على إقامة تلك العلاقات الطبيعية؟.
إن مضيق هرمز الذي عن طريقه تحيا دول الخليج بسبب تصديرها النفط عبره يحتاج إلى تقوية للعلاقات مع الدول المجاورة له كإيران ولولا سياسة السلطنة لما تمكنت دول الخليج من تصدير قطرة نفط، فالعلاقة مع إيران تصب في مصلحة اقتصاد دول الخليج.
إنّ سياسة السلطنة تقوم على إقامة العلاقات مع كافة الدول الإقليمية والدولية على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، وعلى أسس إنسانية وحقوقية إذ لا يمكن للسلطنة أن تحذو حذو الدول التي تقيم العلاقات مع الآخر على أسس دينية وفكرية مع الانتقائية في ذلك.
سحبت بعض الدول العربية أو استدعت سفراءها من قطر للضغط عليها لتحذو حذوها، بينما للسلطنة سياسة أخرى بالنسبة لما يجري في العالم العربي من أحداث لكن امتازت السلطنة عن غيرها بأنّها لم تحاول قط حمل أحد على اتباع منهجها السياسي، وبذلك كان من الطبيعي عدم سحب أو استدعاء السلطنة سفيرها من الدوحة، وإنما غير الطبيعي هو سحب السفراء، وهو ما أكدت عليه مجريات الأمور فيما بعد.
وهذا يذكرنا بقطع الدول العربية علاقاتها مع مصر إثر توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد بينما استمرت السلطنة في علاقاتها مع مصر، وتمّ التشنيع بالسلطنة، ثم بعد فترة سعت الدول العربية إلى مصر وأعادت العلاقات الدبلوماسية معها رغم بقاء اتفاقية كامب ديفيد ووجود سفير إسرائيل في مصر ووجود سفير مصر في إسرائيل، وبذلك يتبين أن السلطنة تسير وفق منهج بعيد عن العواطف والانفعالات والمزاجيات، ومتى ما تحكمت الانفعالات في السياسة كان التخبط عنوان الدبلوماسية، وهو ما لا ترتضيه السياسة العمانية.
إن السلطنة ترفض التصنيف على أسس قومية عربية وفارسية وترفض التصنيف في إقامة العلاقات على أسس فكرية ودينية وإلا لما أقامت دولة عربية علاقات مع الفاتيكان ومع دول الاتحاد الأوربي.