الثقافة الاستهلاكية في رمضان

 

سَيْف المعمري

 

قُبيل دخول الشهر الفضيل يتهيَّأ الصائمون لاستقباله من خلال إعداد قائمة بالمواد الغذائية التي يحتاجونها على موائدهم وولائمهم التي اعتاد عليها المجتمع طوال أيام السنة.. وهي عادة رمضانية تكاد تكون منتشرة بين جميع المسلمين في أرجاء المعمورة، ولها أبعاد اجتماعية إيجابية؛ لعل أهمها: حرص الصائمين على التنويع في الأطباق والتشارك في الإفطار الجماعي؛ إلا أنَّ ذلك يجب أن لا يكون على حساب الإسراف والتبذير المنهي عنه، فالاعتدال في طهي الأطعمة يعد إحدى القيم السامية التي على المسلم أن يلتمسها من مدرسة رمضان مصداقا لقوله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".

 

فشهر رمضان مَوْسم للمسلمين يتسابقون فيه للطاعات والصلوات وقراءة القرآن والصدقات وزيارة الأرحام، وليس كما يظنه البعض في التسابق على تجهيز الأطباق والولائم والتي كثيرٌ منها لا يُستفاد منه، ويصبح مصيرها حاويات القمامة.

 

ومع الارتفاع الملحوظ للأسعار خلال السنوات الأخيرة، خاصة في المواد الغذائية، إضافة إلى الكماليات الأخرى أصبح من الأهمية أن تعيد الأسر ثقافة الاستهلاك لديها سواء أكانت في رمضان أو في بقية شهور السنة، وأن يكون شهر رمضان بداية لتغيير الأنماط الاستهلاكية والتي كثيرا ما يرجح فيها المجتمع العادات التي تناقلها جيلا بعد جيل.

 

إلا أنه، وما إن يدخل الشهر الفضيل إلا وتجد الأسواق والمراكز التجارية مكتظة بالمتسوقين وكأن رمضان مَوْسم للتسوق. ولو سألت ربَّ كل أسرة عن حجم المصروف الأسري على المواد الغذائية في الشهر الفضيل لقال لك: ضِعْف أيام العام!، تُرى: لماذا لا توجد خطة استهلاكية لكل أسرة؟

 

وللأسف بعض الأسر يبنون ثقافتهم الاستهلاكية، خاصة في الشهر الفضيل؛ من أجل التباهي أمام الآخرين؛ فتراهم يفترشون موائدهم بأصناف متنوعة من الأطباق ولا يبالون في كمياتها، لذا فمن غير المناسب أن ننزعج من ارتفاع الأسعار واحتكار التجار، ونحن لا نستطيع أن نكيِّف أنفسنا مع حجم مصروفاتنا الاستهلاكية.

 

ومن ضمن الأفكار التي يُمكن أخذها بعين الاعتبار للتقليل من رمي المأكولات والمشروبات الرمضانية في حاويات القمامة، أن يتم تقديم الأطباق على مقادير معينة؛ بحيث يمكن أن يتم الاحتفاظ بالزائد عن الحاجة في مائدة اليوم التالي، خاصة في أطباق الحلويات والبسكويت...وغيرها.

 

كما يُمكن أن تقوم كل أسرة بإعطاء ما تبقى من أطعمة زائدة عن الحاجة إلى الجيران والعمال بمختلف مواقع العمل الليلية كعمال المحالات التجارية وعمال النظافة والإنشاءات...وغيرهم.

 

وما تجدر الإشارة إليه: قيام مجموعة من الشباب العماني بتبني مبادرات شبابية للتوعية بترشيد الاستهلاك، وعدم رمي المأكولات في حاويات القمامة؛ حيث نجح مجموعة من شباب ولاية البريمي في تأسيس فريق تحت مسمى "فريق حفظ النعم"؛ يقوم -وللعام الخامس على التوالي- بتجميع المأكولات الزائدة وتعليبها وتوزيعها على عدد من الأسر بالولاية، وكذلك توزيعها على العمالة الوافدة.

 

ولكن تبقى مسؤولية الحفاظ على النعمة وإعادة النظر في ثقافة الأسر الاستهلاكية مطلبا ملحا في الوقت الراهن، وعلى المؤسسات التربوية والاجتماعية ووسائل الاعلام أن تبذل جهودا لتعزيز ثقافة الوعي الاستهلاكي في المجتمع، وأن يتم التعاضد من أجل ثقافة استهلاكية متوازنة.. دمتم ودامت عُمان بخير!

 

saif5900@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك