الدعاة الجدد بوسائل التواصل.. ارحمونا

خالد الخوالدي

نبارك للجميع بلوغ شهر الرحمة والغفران، وهذا بلاشك هبة من ربّالعباد أن منحنا فرصة الحياة لنتمتّع بالأجواء الروحانيّة التي لا تعوّض ولاتقدر بكل كنوز الدنيا، وفرصة ذهبية أن يخلو الإنسان لنفسه ويذكر ربّه كثيرًا، حيث الأجور مضاعفة ويبتعد عن تضييع الأوقات والمعاصي بكل أنواعها فالسيئاتأيضًا مضاعفة في هذا الشهر الفضيل.

ونحن جميعا يعترينا التقصير في كل الشهور والأغلبية تضيع أوقاته سدى؛ خاصة بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وأشكالها ويزيد الطين بلة إذا كان تضييع الوقت تتبعه معاص غير مدركة وخطيرة جدًا، تصل فيها العقوبة إلى الحرمان من نعيم الجنة؛ حيث يقوم البعض منا في هذا الشهر الفضيل بحسن نيّة وطمعا في الأجر والثواب بإعادة إرسال كل حديث شريف يصله بدون أن يتأكّد من صحته، ويساهم بالتالي في نشر أحاديث ضعيفة أو موضوعة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وتتضمن وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من هذه الأحاديث والأدعية التي بعضها لا تدخل العقل والمنطق ويستهجنها الحس اللغوي والسليقة والذوق والأدب، الذي يجب أن يرافق الأحاديث الشريفة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الشهر الفضيل تنتشر هذه الأحاديث والأدعية انتشار النار في الهشيم، فمنذ اليوم سيعمل البعض على تشكيل مجموعات واتسابية لنشر أدعية اليوم الأول والثاني والثالث حتى اليوم الأخير في رمضان ولا يدري المرسل ما في هذه الأدعية ولا مضمونها ولا معاني الكلمات التي بالدعاء فبعضها يصعب عليه فهمها وتفسيرها وتركيبها اللغوي إلا أنّ عملية القص واللصق أسهل ما يكون.

وعملية القص واللصق قد تكون عادية وطبيعيّة في مواضيع مثل النكات أو المقالات التي يكتبها أمثالي، ولكنّها خطيرة جدًا عندما ترتبط بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أو الروايات التي تنقل بلسان العلماء والفقهاء والمفسرين لأنّ الخطأ فيها خطير وممنوع وله عواقبه الدنيوية والآخروية، فعلينا جميعا الحذر والانتباه لهذا الأمر وعدم استسهال الموضوع، وعلى الذين عمدوا أنفسهم علماء ربانيون ودعاة في هذا الشهر الفضيل ارحمونا وارحموا أنفسكم.

نعم ارحمونا من رسائلكم التي لا نستطيع قراءتها وتضييع أوقاتنا في أمور لا جدوى منها وإذا كنتم حريصين على فعل الخير فأبواب الخير في هذا الشهر المبارك مفتوحة ومشرعة، وتستطيعون أن تقدموا أفضل مما تقدموه في وسائل التواصل الاجتماعي، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان له في هذا الشهر الفضيل دروس وفضل وعلوم في فعل الخير والبر والمعروف ادرسوها واقتدوا بفعله وعمله وأوامره، ولا تكذبوا عليه في نشر أحاديث بعضها باطلة أو موضوعة وضعيفة.

وعلينا جميعا أن نستغل أوقات هذا الشهر المبارك في تلاوة القرآن وتدبره وحضور حلقات العلم، والتصدّق بأموالنا وأنفسنا، وتحسس حاجات النّاس وزيارة الأرحام والأصدقاء والجيران فهي أولى وأجدر من عمل قوائم واتسابية لإرسال أمور دينية مرسلها لاهٍ وبعيد عن تطبيقها في حياته، وينطبق علينا المثل الذي يقول يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وضحكت كثيرًا عندما وصلتني إحدى الرسائل التي تقول (في رمضان نرجو من الأحبة ألا يلوعوا كبدنا 24 ساعة أدعية ومباركات وتهاليل، هذا هاتف ما مسجد، تريد تتدين روح اربط نفسك في مسجد وارتاح وريحنا ما قاعد في الواتساب تسوي روحك كتاب أدعية ومناجاة) ورغم أنّها أرسلت بدعوى الفكاهة إلا أنّ بها عبر تدل أنّ العبادة ليست في وسائل التواصل الاجتماعي وإن كانت وسيلة قد تستخدم في الدعوة إلى الله.

وشخصيا لا أعير أيّ أهميّة لرسالة دينية تصلني من شخص أدرك أنّه لا يعرف من مضمون هذه الرسالة شيئًا وهو أصلا لا يطبق ما فيها كما هو حال رسائل الجمعة والصباح والمساء التي أغلبها مكرر ولا جدوى منها، ونضيع فيها أوقاتا كان الأولى أن تقضى في أمور ذات فائدة أكبر، وهي دعوة من القلب نحو استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل خاصة في شهر رمضان المبارك والتقليل قدر الإمكان من استخدامها فالثواني والدقائق في هذا الشهر لا تقدر بثمن.. ودمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك