ما بعد الحرب بالوكالة

فهمي الكتوت

تستعدُّ الإمبريالية وحلفاؤها لحصاد نتائج المعركة التي خاضتها القوى الظلامية بالوكالة، مُستغلين الانهيار العربي، وتدمير البنية الأساسية في كلٍّ من سوريا والعراق وليبيا واليمن. وقد سرَّبت الدوائر الرجعية والإمبريالية ما وصفته بالدستور السوري الجديد، الذي يتماثل ما دستور بريمر في العراق، ويتضمن إلغاء الهوية العربية واعتماد اللامركزية كأساس لنظام الحكم، وإعطاء صلاحيات واسعة لبرلمانات المناطق، تمهيدا لإقامة كيانات مذهبية وطائفية. وما الدعم الاستثنائي الذي تحظى به قوات سوريا الديمقراطية من الولايات المتحدة لتحرير الرقة وغيرها من الأراضي السورية، إلا بهدف تمكينها من السيطرة على أراض سورية لفرض سياسة الأمر الواقع، مستغلين تشتت قوات الجيش السوري في أكثر من جبهة. ويُحرم الدستور القيام بأي أعمال ذات طابع عسكري خارج مناطق سلطة الدولة، لضمان عدم قيام الجيش السوري بأي دور في الصراع العربي الإسرائيلي مستقبلا. والتأكيد على الاقتصاد الحر، وحرية النشاط الاقتصادي، والالتزام بمعايير السوق، وإلغاء أي دعم للسلع الأساسية، وتحديد الأسعار، ورفع اي حماية للمواطنين الفقراء، وهي إخضاع سوريا للتبعية السياسية والاقتصادية للاحتكارات الرأسمالية وإلحاقها بالسوق الرأسمالي.

وفي السياق ذاته، قُدمت المبادرة الفرنسية لإعادة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي لاقت ترحيبا من السلطة الفلسطينية، فقد أعلن محمود عباس في اجتماع الجامعة العربية عن استعداده للعودة للمفاوضات العبثية، التي توقفت بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني. علما بأن المبادرة الفرنسية تخلو من أي شروط مسبقة، وهو المطلب الإسرائيلي برفض ربط عودة المفاوضات بوقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية. كما تجاهلت المبادرة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، مع تكريس الاحتلال للقدس، ولم تشر المبادرة إلى حق الشعب الفلسطيني بالسيادة على الأراضي الفلسطينية. ورغم أن المبادرة تصب في مصالح الكيان الصهيوني، إلا أنها لم تحظ بموافقة رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، لعدم رغبته بطرح أية مبادرات دولية في هذا الشأن. ورغبته بالتفرد بحلول أمنية واقتصادية، ومواصلة تهويد القدس والضفة الغربية وإلغاء فكرة الدولة الفلسطينية، في حين يطل علينا من جديد ما يسمى بـ"الخيار الأردني".

كَثُر الحديث عن الخيار الأردني من قبل العدو الصهيوني، ورافقه اتصالات وترتيبات مشبوهة، منها محاولة إحياء روابط القرى التي ظهرت من قبل عناصر رجعية وعميلة بعد احتلال الضفة الغربية، وزيارة رئيس الوزراء الأسبق ومهندس اتفاقية وادي عربة الى نابلس، وربط الأردن بسلسلة من المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية مع الكيان الصهيوني، منها قناة البحرين، وقد وقعت الأردن مع العدو الصهيوني على اتفاق للبدء في المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت بقناة، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية، وصفها الإسرائيليون بأنها أهم اتفاقية مع الجانب الأردني منذ معاهدة السلام عام 1994. وصفقة الغاز الإسرائيلي، وأخيرًا التدخل الفظ في مجلس النواب لعدم استثناء العدو الصهيوني في قانون صندوق الاستثمار، والذي يعتبر تفريطا في السيادة الوطنية على الأراضي الأردنية، وإجراء خطير نحو بيع ما تبقى من مقدرات الشعب بعد تنفيذ سياسة التخاصية.

وحسب قانون الصندوق؛ يتمتع الصندوق بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري، ولا يخضع لقوانين الشركات المعمول بها في الأردن، ويديره مجلس إدارة يملك حرية التخطيط والتنفيذ واستملاك الأموال المنقولة وغير المنقولة؛ سواءً كانت ملكية عامة أو خاصة، وبتفويض من مجلس الوزراء. وقد حصل الصندوق على إعفاءات من الرسوم الجمركية ورسوم الطوابع وأي رسوم أو ضرائب أو بدلات حكومية أخرى بما في ذلك الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة وضريبة الدخل وضريبة الدخل على الأرباح التي يوزعها الصندوق او توزعها الشركة على المساهمين. كما أنَّ الصندوق لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة أو مساءلة مجلس النواب، لا في الحاضر ولا في المستقبل، ولا تملك أي حكومة قادمة أن تفرض رسوماً أو ضرائب على تلك الاستثمارات.

ويملك مجلس إدارة الصندوق استملاك أي قطعة أرض لإقامة مشروع استثماري بشكل مخالف للمادة 11 من الدستور الأردني التي تنص على أنه لا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة. ويخلو القانون من إلزام المستثمرين بتشغيل العمال الأردنيين.

ويتزامن هذا القانون -الذي يُفسح المجال أمام أكبر وأخطر اختراق إسرائيلي للاقتصاد الأردني- مع سياسات التطبيع التي اخذت بالظهور بشكل علني مع عدد من الدول العربية، بما في ذلك اللقاءات السعودية-الإسرائيلية العلنية، المتكئة على مبادرة الملك عبدالله لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، والتي رفضت من قبل العدو الصهيوني في حينه، وتتضمن اعترافا عربيا وتطبيعا مع الكيان الصهيوني؛ فالمبادرة التي رُفضت في عام 2002 من قبل العدو الصهيوني، هل تعتبر صالحة من قبله بعد الانهيار العربي؟ أم أنَّ الانهيار العربي يوفر مناخا سياسيا لفرض سياسة التطبيع وإقامة علاقات عربية-إسرائيلية على أنقاض القضية الفلسطينية؟ إنَّ تهافت أصحاب المشاريع الإمبريالية الصهيونية الرجعية نابع من اعتقادهم بأنَّ الطريق أصبح معبدًا نحو تصفية القضية الفلسطينية وخضوع الشعوب العربية لمشيئة الامبريالية. فقد بدأت محاولات التوطين وتصفية القضية الفلسطينية منذ أوائل العقد الخامس من القرن الماضي، إلا أنَّ الشعوب العربية نجحت بدفن المشروع الصهيوني الإمبريالي في مهده.

تعليق عبر الفيس بوك