عبدالقادر عسقلان.. ومسيرة من الإنجاز والعطاء

فايزة الكلبانيَّة

 

مساء الأمس، كُنَّا على موعد مع المصرفي عبدالقادر عسقلان لتدشين كتابه "مسيرة من الإنجاز والعطاء"، وهو أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية التي عايشنا بعضا من مسيرتها العملية، قد لا أكون تلك القريبة من "أبو أحمد"، كما هي الحال بالعلاقة التي تربطك بأستاذي حاتم الطائي، أو كحجم الأخوة والصداقة التي عبَّر عنها معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سطور كلماته المهداة إليك في مقدمة كتابك، أو كغيرهما من الأحبة والأصدقاء حولك، لكون مرحلة احتكاكي ومعرفتي بك تأخذ حيزا عمليا بشكل أكبر، ولكن هذه السنوات القليلة وتواضعك الدائم وابتسامتك التي تسبق خطاك، ويمينك الممتدة كلما التقيتك في محفل أو مناسبة حتى ولو كان حولك كبار الشخصيات ووسط كم هائل من الحضور، وتجاوبك لتساؤلاتي الدائمة كان كل هذا كفيلا بأن يعلمني من هو عبدالقادر عسقلان الأب والروح والقائد والمعلم والأخ والصديق.. سطور مقالي اليوم أهديها لشخصك الذي سيظل حاضرا بيننا بحجم عطائك الذي لا ولن ينضب.

وفي حفل التدشين، وأنا أستمع إليه وهو يلقي كلمة الافتتاح، والتي تحوي ضمن طياتها قصص الكفاح والنجاح والمغامرة، أعادني إلى يوم ليس بالبعيد حينما استضفنا "أبو أحمد" بمقر جريدة "الرُّؤية" ليكون ضيفَ إحدى مبادرة الجريدة والمتمثلة في "صالون الرؤية"، حيث سرد لنا تفاصيل شخصية وخاصة، فتعرفت خلال هذا اليوم على عسقلان الإنسان المتواضع بعيدا عن عسقلان الرئيس التنفيذي لبنك عمان العربي أو الخبير الاقتصادي وجانب العمل الرسمي.. كم كانت رحلته مليئة بالمخاطر والمغامرة ومكللة بالنجاحات.

فقد كتبنا عبر سطور صفحات "صالون الرؤية" على لسان عبدالقادر عسقلان بعضًا من الحقائق الفريدة، فقد عمل عسقلان بداية في فرع البنك بنابلس وعمان، ثم إلى فرع البنك بعدن في اليمن، بعدها إلى فرع البنك بالإمارات وتحديدا في رأس الخيمة وهناك سمع عما يحدث في سلطنة عمان من تغييرات إيجابية مع تسلم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد الحكم، وفي العام 1973 افتتح أول فرع للبنك بمسقط، وكان مقره في المساحة التي أصبحت حديقة قصر العلم حاليا، وكان مازال القصر في مرحلة البناء، وقد عين عسقلان مديرا للفرع مما أتاح لي مواكبة النهضة المباركة من بداياتها الأولى.

فبَيْن أحلام الطفولة في أن يصبح طيارا، وبين واقعه اليوم كمصرفي مرموق، قطع عبدالقادر عسقلان رحلة طويلة، جاب خلالها بلدانا، وعاش تجارب ..رجل أتقن صناعة النجاح في دنيا المال والأعمال، وخَبِر دروب عالم البنوك، حتى اقترنت بعض تفاصيل معالمها باسمه، وأصبح يتربع على قمة الإنجازات في هذا المجال، يتكئ عسقلان في مسيرته المهنية على مؤهلات علمية، وخبرات عملية تراكمية، وصفات شخصية تتصدرها عزيمة لا تعرف التراجع عن السير في طرق النجاح مهما تعاظمت التحديات، وقلت الإمكانيات. ورغم ازدحام برنامجه اليومي بالمهام والمسؤوليات الجسام، التي تحتاج في تصريفها إلى ساعات طوال، إلا أنه يحرص على ممارسة رياضة التنس لمدة ساعتين وعلى مدار ثلاثة أيام أسبوعيا، وهو وقت مستقطع يحاول ألا يرتبط فيه بأية مواعيد للعمل. وعسقلان كرس جهدا مهمّا لتعليم بناته الأربع، وكان قد تزوج في العام 1961 وعمره وقتئذ 25 سنة.

وكان يراود عسقلان حلما بأنْ يصبح طيارا، فيقول: كان أملي بعد التخرج في الكلية في الأردن أن التحق بدورة لأصبح طيارا، وقد قطعت خطوات في هذا الشأن بالفعل، حيث ذهبت إلى معسكر القاعدة الجوية وأجريت المقابلة، ومن بين 200 متقدم، كنت ضمن خمسة تم اختيارهم، رغم شراسة المنافسة، وبعد الفحص الطبي أصبحنا ثلاثة فقط. وكنت على بعد خطوات من تحقيق الحلم في أن أصبح طيارا حربيا، إلا أنَّ الرياح جرت بما لا تشتهيه سفني وقتذاك؛ حيث إنّه وما إن علمت والدتي بقبولي، حتى أبدت رفضها لفكرة أن أصبح طيارًا حربيا، وذلك خوفا عليّ، ولم يكن أمامي إلا الامتثال لرغبتها لخوفها علي.

يبتسم "أبو أحمد" وهو يقول: "لن أنسى حادثة السطو على فرع البنك في اليمن وجرح الخنجر في رقبتي"، فقد كانت أول مغامرة في عملي عندما انتقلت إلى فرع البنك في عدن باليمن، وكان البنك قد افتتح هذا الفرع حديثا. وأمضيت بهذا الفرع 11 سنة من عام 1958 وحتى عام 1969 عاصرت خلالها أصعب الفترات وأعنفها في اليمن، ومن المواقف التي لا أنساها حين تعرّض البنك لسطو مسلح بالبنادق والخناجر، حتى إنَّني أصبت في هذا السطو بجرح في رقبتي بالخنجر، وطالبني من قاموا بالسطو بفتح الخزينة وعندما أكدت لهم أن فتحها يحتاج لوجود ثلاثة موظفين تركوني مع التحذير من الإتيان بأية حركة لمدة ساعتين.. ولم يكن هذا الموقف الوحيد الصعب، حيث شهدت الكثير من الأحداث، التي اضطررت في إحداها إلى السير بالسيارة إلى الخلف لأكثر من كيلو متر هربا من منطقة كانت مشتعلة بالقتال إبان أحداث ثورة اليمن، كما أنه وفي مرتين متتاليتين حدث أن عبرت أحد الجسور، لتنفجر عقب مروري عبوة ناسفة عليه!

همسة إلى عبدالقادر عسقلان:

"مسيرة من الإنجاز والعطاء"، إضافة للمؤلفات العمانية في القطاع المصرفي.. وقد أعجبتني عبارتك القائلة: "بين المسقطين" مسقط رأسه نابلس، حيث كانت خطواته المصرفيه الأولى، ومسقط عاصمة سلطنة عُمان، حيث كانت خاتمة رحلة الألف ميل.. ظلت جغرافيا الحلم الفلسطيني والعربي الصعب ماثلة في البال.

فإلى عبدالقادر عسقلان.. تحية!

 

faiza@alroya.info