البائسات المدلالات

خالد الخوالدي


الأقدار تكتب لنا في بعض الأحيان ما لا نتمنى ونشتهي، وهكذا هو قدر أمهاتهذا المقال، فقد خلقهنّ الله كما خلق البشر جميعا؛ إلا أنّ قليلين من هذا الجمعمن يشعر ويحس بعملهن، وما يقدمنه لأجل الإنسانية؛ بينما الأغلبية لايشعرون ولا يقدرون حجم ما يقمن به لأجل عمان ومجتمعهنّ وأبناء هذا الوطن؛وأنفسهنّ بطبيعة الحال، فالشعور والإحساس ينعدم إمام تضحياتهنّ كما وقفتالأقدار أمام رغباتهنّ لأنهنّ مكسورات الجناح ضعيفات الحيلة، وزادت الأمومةهذا القدر انتكاسًا فأصبحن مشتتات الفكر بين الاحتفاظ بروح هذه الأمومة وبينتأدية واجب الوطن وقدسيته.

أطلقتُ عليهنّ البائسات؛ لأنّ الحياة أخذت من أجسامهنّ ومن فكرهنّ ومتعة حياتهنّ وجمالها، فلا يعرفن من طعم الحياة إلا المر والعلقم، والسهر والهم والنكد، ومخاطر الطريق ومشاقه، ولا ذنب لهنّ في ذلك إلا مصيبة الأمومة.. الامومة والحنان إلى الأولاد والرغبة في تربيتهم وتعليمهم أصبحت لديهن مصيبة لا تطاق ولا تُستحمل، ولسان حالهنّ يقول تعسا للأمومة والتربية والتعليم في هكذا زمن؛ إذا كان هذا هو مصير الأم، وإذا كان هذا هو التقدير من قبل مؤسسات الدولة، ويعلنِّها بأعلى أصواتهنّ نرجو ألا تحتفلوا سنويا بيوم المرأة العمانية ولا بيوم المعلم؛ إذا كانت المرأة بهذا الحال والسوء.

وحتى لا أطيل عليكم الاشتياق إلى معرفة قامات هذا المقال أقول لكم بأنهنّ نساء بسيطات شاءت الأقدار أن يتخرجن معلمات لأجيال المستقبل، وأن يتوظفن في أرقى الوزارات وأعلاها شأنا في السلطنة، حيث توظفن بوزارة التربية والتعليم الموقرة التي احترمت قدرهنّ وأمومتهنّ ورفقت بهنّ رفق القوارير حيث تم تعيينهنّ في أقصى البقاع من أرض السلطنة وصبرن واستحملن لأجل عمان وأبنائها، ولأجل تحقيق تطلعاتهنّ وطموحاتهنّ، وحتى يكنّ مساهمات في التنمية، ومنذ خمس سنوات وبعضهنّ أكثر لم يعرفن طعم الراحة والاستقرار مع أسرهنّ وعوائلهنّ وإنّما يرجعن إلى منازلهنّ كضيفات يمكثن يوما أو يومين.

وبطلات المقال أحسن حالا حيث تمّ تقريبهنّ ليعملن في مسقط العامرة وهذا يعد إنجازا لا يوازيه إنجاز، وتفخر الوزارة الموقرة بذلك، وهذا الفخر يقابله استياء تام من قبلهنّ حيث القيود تفرض كل يوم على راحتهنّ فقد اخترن الأمومة على الاستقرار في العاصمة، ودَفعهنّ هذا أن يستيقظن الساعة الثالثة فجرًا للاستعداد ليوم شاق ومتعب حيث يخرج بهنّ القطار (باص 15 راكبا) من ولاية شناص إلى ولاية مطرح مرورًا بولايات لوى وصحار وصحم والخابورة والسويق ليوزع القطار ركابه عند السابعة صباحا في أبعد نقطة ولاية مطرح وأقربها ولاية بوشر وبين هذا التوزيع عذاب وعذاب وعذاب، بمعنى أنّ المدلالات يعملن من الثالثة فجرًا إلى قريب الواحدة والنصف ظهرًا بوتيرة واحدة دون راحة في بعض الأيام، وهذا الوضع كان يمضي على هذا المنوال لأجل خاطر رؤية أبنائهنّ كل يوم وتربيتهم والعناية بهم ليصلن منازلهن عند الساعة الرابعة عصرًا وما تبقى من رمق لديهنّ يقضينه مع متطلبات أسرهنّ وتعليم أولادهنّ الذين يتحسّرون ندما على الأقدار التي جعلت أمهاتهم معلمات في زمن لا يحترم فيه التعليم أصلا وليس له قيمة، وبعد يوم طويل وشاق يخلدن للنوم مجبرات عند التاسعة لاستقبال يوم قاس آخر يبدأ عند الثالثة فجًرا ووسط هذه المعاناة هناك من لا يقدر ولا يحس ولا يشعر.

وهذا الإحساس والشعور لا يشتري بالمال وإنّما هو تقدير نابع من ذات الإنسان وبصيرته ورؤيته للأمور، وعلى ضوء هذا أطرح عدة أسئلة هل شعر المسؤولون في التربية وعضو مجلس الشورى الذي قال إنّ التربية تدلل المعلمين وأنّهم ينعمون بالدلال ببطلات هذا المقال؟ وهل بعد هذا من دلال وراحة واسترخاء؟ وهل هذا هو التقدير الذي يجب أن يكون لحاملي شمعة النور لأجيال المستقبل؟ وهل هذا الحق الذي يجب أن يمنح لهذه الفئة الكادحة؟

دمتم ودامت عمان بخير..

Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك