لطفا بعمان وكفى إشاعات

د.اسماعيل الأغبري

بوعي وغير وعي؛ بتنسيق وغير تنسيق إشاعات لا تنتهي حول كل شيء منجز في البلاد أو يراد إنجازه أو لمجرد وضع خطط أو إستراتيجيات فكل فرد يصير محللا سياسيا أو خبيرا إستراتيجيا أو رجلا اقتصاديا أو عملاقا مهندسا، هذه الحمى والهستيريا مؤذية للوطن على المدى المنظور إليه والبعيد؛ لأنّ الإشاعة خطر كبير تؤثر على أداء الدول الأمني والاقتصادي والاجتماعي، والإشاعة بمثابة الخنجر الذي يفت في عضد الجسد وينهك القوى، حذر الله منها مبينا آثارها وداعيا إلى تركها والندم عليها، بل سن تشريعا عقوبة عليها ولا أدل على خطورتها من أنّها وسيلة من وسائل الحروب بين الدول لنشر فقدان الثقة وزعزعة الأمن والاستقرار بل قد تكون الإشاعة سبيلا لهزيمة جيوش دول الإشاعات تعتمد التشكيك في كثير من مفاصل الدولة أو تعتمد نشر الأكاذيب التي تثير لغطا أو قد تؤدي مستقبلا إلى حيرة في الملايين على أقل تقدير.

والإشاعات تعتمد تضخيما غير الضخم وتغويلا غير الغول؛ رغبة في إحداث أكبر خلخلة في النسيج الاجتماعي وإحداث هزّة مبرمجة في نظام الحكم السياسي يبدو تأثيرها بالتدريج وعلى مدى مستقبلي منظور إليه أو بعيد الإشاعات إذا كانت مبرمجات يقصد منها تهيئة أمر ما ليس على الفور ولكن على التراخي.

لقد ضربت الإشاعة التي انطلقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم في الصميم، وكادت أن تهيمن حتى على المنظور إليهم من أصحابه إذ أحكم مروّجوها أمرها وبثوها بين الشعب أو السكان أو الناس أو المواطنين في تلك الدولة الناشئة وتخيّر أهل الإشاعة موضوع الإشاعة لإصابة تلك الدولة في مقتل وإصابة نبي الرسالة وقائد تلك الدولة النبي محمد.

أشاع المرجفون أن زوجة النبي المرسل ورئيس دولتهم تعمدت التأخر مع شخص ما، وأنّه بينها وبينه علاقة غراميّة محرمة؛ وإذ بالخبر يسري في تلك الدولة سريان النار في الهشيم ويصدع مجتمع المدينة، لم يصدقه فقط المنافقون أو السذج أو السطحيون أو المتربصون بل تبني الخبر أو صدقه صحابة كحسان بن ثابت شاعر النبي وحمنة أخت زوجة النبي زينب، وأشاعه بعض ممن شهد أعظم غزوة، وهو مسطح بن أثاثة وعمل طبعا على إذاعة الخبر زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، بلغ من تأثير الإشاعة أن النبي كما تروي كتب الحديث والسير تأثر بالخبر حتى أنّه تغير على السيّدة الجليلة المطهرة، ولم يكن يكثر معها الكلام بخلاف العادة وهي لا تعلم أنّه تغيّر ليس بسبب مشاغل وإنّما بسبب ما يقال، بلغ الأمر أن طلبت منه أن يأذن لها بالرحيل إلى دار أبيها أبي بكر فأذن لها بكل يسر، وهذا دليل على مفعول الإشاعة وخطرها ، تخيّر أصحاب الإشاعة الشخصية المقربة من نبيهم ورئيس دولتهم ليصيبوا الدولة في مقتل.. تلك الإشاعة قضى الله عليها بوحي يدحضها وكفى الله المؤمنين القتال، اليوم للأسف النقد لكل شيء لكل مشروع، لكل طريق، لكل مستشفى، لكل جسر، لكل مصنع، لكل تكريم، لكل جائزة..
لا مانع من النقد ولكن لا بد أن يكون نقدا بناءً لا هادما، وكذلك يلزم تجنب الإشاعة الكاذبة.

البعض منّا صار فقط يهدف إلى نشر فقدان الثقة بمؤسسات الدولة حتى في أحوال الطقس والأعاصير رغم أنّه يثبت في كل مرة دقة مراكز الرصد العمانية مع إصرار البعض على التشكيك فيها والاستماع إلى البيانات الآتية من خارج البلاد، ثمّ إذا تبيّن له في كل مرة إصابة المراصد العمانيّة فيما ذهبت إليه لا نجد بعدها تصحيح ما أشاعه أو تصويب ما أذاعته الوسائل الرسميّة.

مسلسل الإشاعات يتخذ أبعادًا أعمق كالقول إنّه عند منح شخصيات أوسمة من درجات مختلفة مكافأة على طول خدمة أو كبير عمل تنطلق الإشاعة إلى أنّه تم إعطاء هؤلاء ما لا يقل عن مئتي ألف ريال لكل واحد مع قطعة أرض في مرتفعات القرم أو بوشر أو غيرها لمساحة مئة ألف متر على أقل تقدير..

إنّها إشاعة يراد منها تهييج العامة وخلق رأي عام ناقم وإلا فإنّ أكثر من يشيعون هذه الأخبار على قرب من تلك الشخصيات، وكان يمكن أن يبادر واحد منهم بالتحقق من ذلك عن قرب.

الذي أقطع به وأجزم بلا شك ولا ريب عدم صحة ذلك، إذ التقيت بعدد من تلك الشخصيات، وأرتني تلك الأوسمة وفيها ألوان ثلاثة تمثل علم البلاد مع هلال ونجمة وخيط مع كتيب صغير فيه تعريف بالشعار، ويكفي ذلك مكرمة فعلم عمان رأس مال وتاج..

للأسف كلما تمّ إنجاز مشروع كطريق أو مستشفى يبدأ النقد ولا يقول أحد الحمد لله وشكرا جزيلا..

هنا لم يثبت تسعيرة بيع النفط رفقا بالمواطن، وإنّما يتم التغيير شهريا حسب قيمة النفط بينما دول أخرى سعرت بيعه دون اعتبار لارتفاع فاتورة البيع أو انخفاضها في الخارج، ومع ذلك فالناس تلزم الصمت عن المقارنة..
هنا مساحة النقد أوسع بكثير جدًا عن دول عدة مجاورة بل يطال النقد شخصيات كبيرة ومع ذلك يعود الناقد إلى بيته أمنا مطمئنا دون خوف أن يختفي قسرا، إلا ما تعلق بدعوة تمس وحدة الجغرافيا والأرض فإنّه يجب على الأمة قبل الدولة أن تطالب بالتشديد والعقوبة..

دول تسحب جنسيّات مواطنيها لقصيدة أو تغريدة، وفي بلادنا أكثر الناس تخوض ومع ذلك لا نجد تلك القبضة الحديدية.

يا ترى منذ أن ولي جلالة السلطان أمر البلاد، كم من العشرات أو المئات أو الآلاف الذين تم العفو عنهم، يا ترى هل هذا العفو المتكرر نجده في دول نعتبرها رمزا؟
ويا ترى كم من العشرات أو المئات من الناس في تلك الدول تمّ سحب الجنسية منهم، فصاروا مشردين مبعدين هائمين، لا يجدون دولة تقبلهم ولا يجد أبناؤهم بيتا يأويهم، ويمنعون من خدمات المستشفيات ويحرمون من التعليم المجاني؟

لو تجولنا في عواصم في الجزيرة العربية لدول نفطية ذات مداخيل كبيرة ثم تجولنا في مسقط، كيف سنجد عمارة مسقط؟ كيف شوارعها؟ كيف نظافتها؟ هل يمكن مقارنتها مع تلك العواصم رغم أنّ مسقط جبال شاهقة، ورغم أن مداخيل السلطنة النفطية لا تذكر مع مداخيل تلك الدول.. ورغم أنّ اكتشاف النفط في السلطنة جاء متأخر جدًا عن غيرها!

يجب التنبّه لخطر الإشاعات فإنّها أحيانًا تكون بحسن نيّة وأحيانًا بسوء نية، خاصة إذا كان مطلق الإشاعة حزبيًا أو جهويًا أو مؤدلجًا أو عقائديًا..

هناك دول لا ترغب في استقرار بلادنا حسدا أو طمعا، تعمل على نشر الإشاعات من طرف خفي عبر تغريدات في مواقع، أو عبر تسريبات لمقالات أو عبر تقارير مدفوعة الثمن.

نعم حرية الرأي مكفولة ولكن دون مساس بالأم الكبرى عمان، ودون تحريض عليها، ودون مساس بأي جزء من أجزائها.. عمان تبر، وترابها جوهر، وذرة من ترابها تستوجب من الجميع حفظها وحمايتها.
في الأرض العمانية أراق أهل عمان دما قانيا؛ دفعا لمعتد، وردا لغازٍ، ومقاومة لطامع أو محتل.. عمان ذاد عنها قوم مضوا وخرّوا شهداء وقاوموا جيوشًا من بني أميّة والعباس والفرس والبرتغال، فحري بنا ألا نفرط في ذرة منها، وألا نقبل تغريد تمس وحدة الأرض العمانية تحت ذريعة حريّة الرأي والكلمة..

لا يقبل متحضر ولا متخلف أن يأتي أحد فيقطع يد والده أو يد أمه فكيف يقبل عاقل أن يقطع أحد أو يدعو أحد بقطع جزء من أرضنا الطيبة..

عمان لها نظامها السياسي الذي تميز عن غيره بميله إلى العفو عن كل زلة والصفح عن كل خطيئة وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره..

عمان لها نظامها السياسي الذي من منهجه ألا قبضة حديدية ولا قهر ولا عسف بدليل أنّه يمكن لأي أحد رفع دعوى على أي شخصيّة كبيرة المنصب أو صغيرة المنصب ثم يعود صاحب الدعوى إلى منزله فينام قرير العين لا يخشى اعتداء تلك الشخصية حتى يصدر الحكم، وقد يكسب القضية وهذا قلما يقع في دول كثير ما تتغنى بالحرية والديمقراطية!

تعليق عبر الفيس بوك