"اللوبي".. وحبَّة اللوبياء!

إضاءة

مسعود الحمداني

تشعرُ أحيانا أنك وافدٌ في بلدك، وأنك بحاجةٍ إلى كفيل، خاصة حين تُقفل الأبواب في وجهك، ولا تجد منقذا إلا وافدا يمتلك المفاتيح السحرية لكلِّ الأبواب السرية، حينها تُدرك أنك بالفعل مُجرَّد مواطنٍ محدود الحركة والسيطرة، وأن من يدير أمورك التجارية والشخصية أحيانا وافد آسيوي قد لا تُعيره اهتماما في طابور البنك الذي أمامك.

المشهدُ ليس خيالا خصبا لمواطنٍ مرتاب، بل هو واقعٌ مُعاش، فالذي يدير معظم التجارة الاستهلاكية في البلاد هم فئة معروفة، وهم يشكلون "لوبي حديدي" لا يمكن النفاذ منه، ولا يمكنك كمواطنٍ أن تدير تجارتك إلا من خلاله، وهذا "اللوبي" يتمدَّد ويكبر كما حبة اللوبياء أو الفاصولياء في الحكاية المعروفة، وهو متعاون جدا لدرجة أنه لا يسمح بأي كسرٍ للسلسلة الوثيقة التي تربط بين أفراده، ولا تسمح أبدا بأن يدير المواطن العُماني تجارة المواد الغذائية والاستهلاكية إلا من خلال "وسيط" من نفس جنسيته، وإلا فاقرأ على تجارتك السلام!

يُخبرني أحد الأصدقاء أنَّه قام بفتح "سوبر ماركت" من خلال شركةٍ مُساهمة، ليجرِّب حظه في تجارة المواد الغذائية والاستهلاكية، وقام بتعمين كل الوظائف الإدارية العليا في المؤسسة بوازعٍ من الوطنية والمثالية، غير أنه وجد صعوبة كبيرة في تسيير دفة العمل، بل وكاد أن يخرج من السوق بخسارةٍ فادحة، لأنه أصر أن يكون المدير المسؤول عن عمليات الشراء والتعاقد عُمانيا؛ مما جعله في مواجهة علنية ومباشرة مع "اللوبي" الذي كان يتعامل بفوقية ومراوغة وخُبث مع ذاك المدير، بل وسحبوا الامتيازات والتسهيلات التي "يمنحونها" عادة للشركات المماثلة، ورفضوا تسليمه البضاعة إلا إذا قام بالدفع الفوري، رغم أنهم يتعاملون مع "الآخرين" بالآجل، وتم تضييق الخناق على الشركة، إلى أن صاحبنا "الوطني" اضطر لتعيين مديرٍ وافدٍ من نفس جنسية "اللوبي"، وبالفعل انفتحت كل الأبواب والتسهيلات ومضت عجلة البيع والشراء بسهولة ويسر!

هذه القصة التي أوردتها ليست قصة استثنائية أو انتقائية، بل هي واقع يعايشه كل من عمل في تجارة المواد الغذائية والاستهلاكية...وغيرها من التجارات التي يسيطر عليها هذا "اللوبي" دون غيره، وعانى الكثير من التجار العُمانيين الأمرين بسبب هذا "الكيان" الذي أصبح يدير تجارتهم بجهاز "التحكم عن بُعد"، ويُمسك بخناق بعض الواردات الحيوية دون رحمة، ولا يسمح لغيره بالدخول فيه، وهو "لوبي" لديه أسراره، وتنظيماته، وحركاته، يتحكم في السوق المحلي، ولا يُمكن أن تقوم تجارة ناجحة إلا من خلاله.

وتقول الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، إنَّ عددَ الوافدين بلغ في شهر مارس الماضي أكثر من مليون وسبعمائة ألف وافد، من بينهم أكثر من 674 ألفا من الجنسية الهندية، وأكثر من 600 ألف بنجلاديشي، وأكثر من 220 ألف باكستاني، إلى جانب جنسيات أخرى متفاوتة العدد، بينما بلغت قيمة تحويلات العمالة الوافدة في العام 2014 ما يقترب من حاجز الأربعة مليارات ريال!!.. ولكم في هذا الرقم (القديم نسبيا) لعبرة.

ما الذي يجعل هذا "اللوبي" بهذا الحجم؟ وهذا التمدد؟ وهذه الضخامة؟ وهذا النفوذ؟!!.. وما هي حبة اللوبياء التي يستطيع من خلالها التسلق إلى ما بعد خيالاتنا؟!! هذان سؤالان لا يحتاجان إلى بحثٍ وعناءٍ كبيرين؛ فنظرة سريعة إلى قضايا المنتجات الغذائية والاستهلاكية منتهية الصلاحية والفاسدة تنبؤكم بما تعلمون وما لا تعلمون، وما "سيرة العيش الفاسد" وتبعاته عنكم ببعيد!

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة