حاتم الطائي
يتواصل المسير نحو استكمال مسيرة دولة القانون وإعلاء بنيانها، وتتسارع الخطى لاستكمال أركان الصروح القضائيّة؛ لتنهض بدورها في تحقيق العدالة في بلادنا، وفق الرؤية السامية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم؛ والذي يولي اهتمامًا كبيرًا لتطوير مرافق القضاء، وتوفير بنية أساسيّة متكاملة ومتطورة لدعم العمل القضائي في السلطنة، إدراكًا لدوره الحيوي في إرساء دعائم العدل، وتعزيز ركائز الحكم الرشيد. ونستعيد في هذا الصدد خطابَ جلالته في افتتاح الدورة الخامسة لمجلس عُمان، حيث قال:"نحن بعوْن الله ماضون في تطوير المؤسسات القضائية والرقابية؛ بما يحقق تطلعاتنا لترسيخ دولة المؤسسات، فدعمنا للقضاء واستقلاليّته واجبٌ التزمْنا به، واحترام قراراته بلا محاباة أمرٌ مفروغٌ منه؛ فالكل سواسية أمام القانون".
فالنطق السامي يوضح جملة من المرتكزات لسيادة دولة القانون، في مقدمتها استقلالية القضاء، واحترام قراراته، ودعم أجهزته للقيام بدورها وتطوير المؤسسات القضائية.
وفي إطار تطوير البنى الأساسيّة لجهاز القضاء؛ يأتي الاحتفال يوم الأربعاء المقبل بتدشين مبنى المحكمة العليا، كشاهد جديد على الحرص السامي لصاحب الجلالة على تدعيم دولة القانون والعدالة في بلادنا.. والمُضي قُدمًا في إنجاز مشروعنا الحضاري الذي يستصحب كافة مقوّمات الدولة الحديثة وفي طليعتها المؤسسات القضائية..
إنّ مبنى المحكمة العليا والذي يُعدُّ من أهم المشاريع في مجال القضاء في السلطنة، والكائن بشارع السلطان قابوس، يزيّن المشهد المعماري العماني لجهة شموخ المبنى وتصميمه، كما يعكس وقار وهيبة السلطة القضائية، ويؤكّد على مكانة المحكمة العليا في قمّة المنظومة القضائيّة في السلطنة؛ إضافة إلى الإسهام المتوقع في تسهيل إجراءات التقاضي من خلال ما يشتمل عليه المبنى؛ من مرافق حديثة، ومكاتب مجهّزة، وقاعات لخدمة المتقاضين؛ وجميعها مزوّدة بأحدث التقنيات.
ومن المعروف أنّ المحكمة العليا - وفقا لقانون السلطة القضائية - تمثل قمة الهرم القضائي، وهي أعلى درجة في النظام القضائي بالسلطنة، وتسهر على احترام وتطبيق القانون، وتضم في تشكيلها رئيسًا وعددًا كافيا من نواب الرئيس والقضاة، وتتألف من عدة دوائر؛ بما يمكنها من الاضطلاع بمهامها العديدة من الفصل في الطعون التي ترفع إليها، وغير ذلك من مسؤوليّات جسام.
ولا شك أنّ افتتاح مبنى المحكمة العليا؛ وبما يحتويه من مرافق وتجهيزات وتسهيلات، سيمثل معينا ودافعًا جديدًا لتسريع البت في القضايا، وإضفاء المزيد من الفعالية على الأجهزة المساندة لجهاز القضاء، مع التوسّع في استخدام التقنيات الحديثة في تنظيم التقاضي بما يكفل تحقيق العدالة، والبت في القضايا بسرعة وكفاءة، مع التركيز خلال الفترة المقبلة على سد أي نقص في الكوادر القضائيّة والقانونية باعتبار أنّ العنصر البشري هو الأساس في تسيير دفة العدالة، ولأنّ النهوض بمسؤوليّات دولة القانون يتطلب عناصر قادرة على حمل الأمانة بوعي ومسؤولية تامة؛ مما يجعل من توفير الكوادر المؤهلة أولوية، لمواجهة تحدي الموارد البشرية، ومعالجة أي قصور بشكل منهجي وعلمي مدروس؛ حتى تتوافر بلادنا في قادم الأعوام على المزيد من القضاة والخبراء في القانون من الكفاءات المؤهلة تأهيلًا عاليًا، والمتعمّقة في دراسة القانون، والقادرة على النهوض بواجبات العمل في هذا المجال؛ ذي الطبيعة الحساسّة لارتباطه بإحقاق العدل بين المتقاضين، وهو أمر يستلزم الإلمام الواسع بالقوانين، إضافة إلى معرفة القواعد المُنظمة لعمل جهاز القضاء، وما يرتبط بذلك من قدرة على القياس والاستنباط، وغير ذلك من مهارات يستلزمها العمل في مجال القضاء.
ويمكن في هذا الإطار تبني خطة مُحكمة ووفق برنامج زمني محدد لتأهيل عدد من القانونيين وإعدادهم إعدادًا نوعيًا متميّزًا يتناسب ومسؤولية العمل بهذا الجهاز الحيوي المنوط به تحقيق العدالة.
كما يلزمنا بموازاة ذلك؛ أن نعمل على إعداد وتأهيل الكوادر الإداريّة التي تعمل بالمحاكم، وفي الجهاز القضائي عمومًا حتى نرتقي بأدائها؛ لأنّ دورها لا يقل أهميّة في تسيير دفة العمل بالقضاء، ولا شك أنّ ذلك سيعود بآثار إيجابيّة على مسار العمل القضائي بما يخدم المتقاضين ويدعم العدالة الناجزة.
إنّ إزاحة الستار عن مبنى المحكمة العليا يعد إيذانًا ببداية مرحلة جديدة في تطوير نظامنا القضائي، وحافزًا للسير قُدما نحو المزيد من تجويد الأداء بهذا المرفق الحيوي، والمعني بضبط كافة أوجه الحياة من خلال تطبيق القوانين التي وضعت لتنظيم حياتنا بمختلف تشعّباتها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها..
ويبقى القول، إنّ إضافة أية لبنة لصرح العدالة، يسهم في إعلاء بنيان صرح دولة القانون في بلادنا الغالية، ويدعم مسارها على طريق التقدم والازدهار.