اعترف لك يا عمان

عزيزة راشد

اعترف لك يا عمان أنني طوال تجوالي وسفري عنك لم أنم جيّدا، كانت عيناي تحدقان إلى ما تحت باب غرفتي، وإلى طرقات النسيم على النافذة، كنت ارتعد خوفا عندما تدخل أصوات الجيران وخطواتهم في جدران مسكني، اترقب اقتحام العصابات والمافيا واللصوص والمخمورين، لا أمان يشبه أمانك، ولا نوم هانئ في العالم ممكن أن يقارن بالنوم الآمن في ظلالك.

اعترف لك أنني قابلت بشرا كثرا وطبائع مختلفة، ولكنّهم لم يكونوا يحملون صفات مواطنيك، بحثت عن الفطرة العمانية والكرم المتوارث والطيبة اللامعة فلم أجدها، واستمعت إلى تذمّرهم وشكاويهم من أنظمتهم وعساكرهم وأمنهم وحكوماتهم، وأنّهم يعملون حد الإرهاق، حد الاغماء، حد الموت، ليوفّروا ثمن علاج أبنائهم أو رغيف خبز يبللونه بالماء في شتائهم.

كانت إحداهنّ تشرح لي كيف أن الأمن اختطفوها عنوة من الشارع، وضربوها وأهانوها وحرموها من الأكل والشرب والنوم دون أن يعلم أهلها عنها شيئا، قلت لها: إن الأمن في بلادي يتصل لاستئذان من يود الحديث معه، ومن يطول الحديث معهم ينامون في أسرة فاخرة، ويأكلون وجبات ساخنة، ويشربون القهوة، فأجابت مذهولة: يا إلهي، هل توجد دولة في هذا الزمن المجنون كدولتكم؟ خذوني وسأنسب كل كتاباتي وأدبي ورواياتي وقصصي وجوائزي العالمية لكم.

اعترف لك يا عمان أنّ هواءك مختلف، ونسيمك عليل ونظيف، نستظل بشمس باسمه وقمر حنون وبيئة نظيفة وعمران زاهر ومرور منظم وشوارع جميلة وحدائق غناء، وأنّ طرقاتك آمنة نسير فيها ليلا نهارا آمنين، ولا نعرف مصطلحات مثل قطاع الطرق والمافيا وتجار الأعضاء البشرية!!

اعترف لك يا عمان ان سلطانك أيقونة الزمان، عمر الأرض وبني الإنسان، لأنه أثمن ما في الأوطان، وإننا نراه الحب والعشق والحنان، وأنه الأب والقائد والسلطان، فيه جاوزنا مرحلة العشق، نحن نتنفّسه، عندما يقول لي أحدهم، إنتِ من بلد السلطان قابوس؟ أكمل عبارته: حفظه الله ورعاه، يقف مندهشا مصدوما متسائلا: هل بقي أحد يحب رئيس بلاده في الوطن العربي؟ أجيبه: لم يبق أحد سوانا نحن العمانيين.

اعترف لك يا عمان أن الأرق أصابني فلم أعد أنام جيدا في ساعة قد يكون فيها اللصوص يسرقونني أو يقتلونني، وإنني أقف عند الصراف الآلي والخوف يحيط بي أنظر يمنة ويسرة لعل متربصا ينتظرني أو قاتلا مخمورا قد يسرق أحشائي ويبيعها، وأنا أمشي في الشارع أحاول الوصول إلى سكني سريعا قبل العاشرة، وقبل أن يتعمق الظلام خشية أن يغدر بي غادر في زقاق مظلم، ساعتها أوقن كم من النعم أنعم الله بها علينا في عمان.

اعترف لك يا عمان أنني لم أنم جيّدًا ولم اتناول طعامًا حقيقيا، ولم أتحدث مع قلوب نقية لا تريد منك سوى ابتسامه، دون أن تفكر فيما يحويه جيبك أو نظرة إلى ساعتك أو خاتمك، فأنت مختلفة في كل شيء، طعامك وشرابك وطرقاتك والنوم في أحضانك يا عمان نوم من دخل الجنة.

كل غربة تهون، وكل بعد محتمل، وكل سفر معتبر، إلا عنك يا عمان، نبقى منك ونبقى فيك، لسنا نحن من يتجه للمطار، ولسنا نحن من يستقل الطائرة، إنّها التذكرة التي تسافر فقط، أمّا نحن فنبقى فيك، لا السفر ولا الموت ينسينا إيّاك.

إلى كل مهاجر ومسافر وضال وتائه عن عمان من أبنائها، هل جربت كل هذا في الغربة، هل علمت وعرفت وأيقنت واقتنعت بالفرق؟
عمان بلد طيب لا ينبت إلا طيبا، وأرضها تحمي وتحتضن كل أبنائها، عمان تستحق وتنتظرنا، إن العمر فيها يبدأ ولا يمكن أن تكون إلا مبتدأ، فإلى عمان مهما طال السفر.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة