وانتهى الموسم الرياضي

زاهر المحروقي

فكرة تطبيق الاحتراف الرياضي، خاصةً في مجال كرة القدم، في أساسها هي فكرة ممتازة، لأنّ الاحتراف يؤدي إلى تطوير مستوى الرياضة والرياضيين والأندية في أيّ مكان في العالم؛ إلا أن ما رافق دوري المحترفين في عُمان خلال المواسم الثلاثة الماضية من إخفاقات، يستدعي التوقف والدراسة من جديد؛ فدوري المحترفين كان مجرد اسم فقط؛ إذ لا تنطبق عليه أي من شروط الاحتراف؛ فقد استنزف الاحترافُ ميزانيات الأندية استنزافاً، رغم أن الخزانات في الأصل خاوية.

ومن أساسيات الاحتراف أن يتفرغ اللاعب ويكون متخصصاً في ممارسة اللعبة كمصدر رزق وحيد له، مما يحوله من مجرد هاو إلى محترف -حاله كحال أي عمل آخر- وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تطوير مستوى اللاعبين، مما ينعكس على نتائج الأندية أولاً ثم على نتائج المنتخبات، إلا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث؛ فاللاعبون موظفون، بل إن هناك من هم مشتتون في أكثر من منتخب، كالمنتخب الوطني والمنتخب العسكري ودوري الوحدات العسكرية، وهذا يربك اللاعب فيقل مستواه، فتخسر الأندية وتخسر المنتخبات جهود هؤلاء اللاعبين؛ وقد اشتكت الأندية على مدى المواسم الثلاثة من هذا الأمر، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة حتى الآن، ولا يبدو أنها ستجد حلولاً.

عندما يتفرغ اللاعب، فهذا يعني أن يتقاضى أجراً لقاء ممارسته للعبة، إلا أن ظروف الاحتراف في السلطنة كانت صعبة للغاية؛ فموازناتُ الأندية لم تستطع أن تلبي احتياجات اللاعبين حتى في أبسط الأمور -وهي الرواتب- ناهيك عن العقود والمكافآت وغيرها، ومعظمُ الأندية العمانية تعتمد فقط على ما تحصل عليه من وزارة الشؤون الرياضية فقط؛ إذ ليس لها دخل ثابت، وليس لها القدرة على الاستثمار -باستثناء أندية قليلة- وفوق هذا فإنَّ نقاشاً طويلاً حدث حول المكرمة السامية للأندية والتي بلغت مليون ريال لكل ناد، إذ لم تحصل الأندية على ريال واحد حتى الآن، فكانت النتيجة هي تراكم الديون على الأندية، وعدم استلام اللاعبين حقوقهم، ولسان حالهم يقول: متى تأتي فرصة الاحتراف في الخارج؛ وهو الاحتراف الذي تراجع الآن، مما قد يكون إشارة واضحة إلى تراجع مستوى اللاعبين العمانيين، لذا ظلت إنجازاتنا حتى الآن محصورة في بطولة كأس خليج واحدة، وبطولة كأس أندية مجلس التعاون أيضاً واحدة، وتعود إلى فترة زمنية بعيدة من الآن وهي عام 1989؛ والبطولتان هما ما يتغنى بهما المعلقون الرياضيون في كل مناسبة حتى بحت أصواتهم، -وهم غير ملومين-. ومشاركات الأندية العمانية في البطولات الخارجية تحتاج الآن إلى وقفة تقييم من جديد، لأن الأمور متشابكة ومتداخلة.

هناك بعض الفوائد التي تحققت من تطبيق الاحتراف في السلطنة، منها أن المباريات أصبحت تقام في المجمعات الرياضية المؤهلة تأهيلاً جيداً، كما أن النقل التلفزيوني للمباريات ساهم كثيراً في تشجيع الأندية وتقديم اللاعبين للجمهور -وهي ميزة لم ينلها اللاعبون السابقون، رغم مستوياتهم ومهاراتهم العالية-؛ إلا أن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: ماذا أفاد هذا الأندية؟ وهل ساهم في وضع الحلول على العجز المالي الذي تعاني من هذه الأندية؟

... إنَّ العمل في الأندية هو عمل تطوعي في المقام الأول -حاله كحال أي عمل خيري وتطوعي- لذا فالأمر يحتم أن يتم تشجيع من يعمل في المجال الرياضي، لا أن يتم تنفيره؛ لأن الديون التي تثقل كاهل الأندية ستنفر الناس من الترشح للإدارات؛ فالواقع يشير الآن إلى أن أكثر من رئيس ناد وأكثر من عضو إداري يحاول أن ينفذ بجلده من كثرة متطلبات الأندية وبسبب الديون المتراكمة، وهذا بدوره يفتح مجالاً آخر للنقاش هو مسألة الاستثمار والانتفاع من الأراضي التي تملكها الأندية؛ فكثيرٌ من الاستثمارات التي تم التحدث عنها عبر وسائل الإعلام يبدو أنها أقرب إلى استثمارات "وهمية"، لم تستطع الأندية أن تقيمها لأن الجهات الرسمية لم تتابع ولم تقف مع الأندية.

هناك فارق بين الاحتراف المطبق دولياً والاحتراف المطبق محلياً؛ فالاحتراف عندنا أقرب إلى أي دوري آخر باختلاف المسمى فقط؛ فالأندية تصرف مبالغ ضخمة كل موسم دون مقابل يذكر؛ مما يعني أننا بالفعل في حاجة إلى تفعيل قوانين الاستثمارات المتعلقة بالرياضة، وإعطاء القطاع الخاص الفرصة بأن يستثمر في هذا المجال. ونحتاج إلى تقييم فترة الاحتراف الماضية، كما نحتاج لوضع إستراتيجية واضحة لجعل الاحتراف احترافاً حقيقياً وليس اسمياً، ولا يصلح أن نطبق الاحتراف على مراحل؛ ولكن قبل كل ذلك، فإننا نحتاج إلى إعادة صياغة قوانين إشهار الأندية نفسها؛ إذ يجب وضع قوانين معينة، بموجبها يمكن إشهار أي ناد، ومنها في الأساس مسألة الدعم والاستثمار والتمويل؛ لأنه مهما بلغ غنى الفرد فإنه سيصل حتماً إلى لحظة يحس فيها بأن النادي أصبح عبئاً عليه. وليس من المنطق أن نطبق الاحتراف في وقت تعتمد فيه الأندية على شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص للتمويل، فكم من ناد رأيناه يحقق بطولة وفي الموسم التالي يهبط إلى الدرجة الأدنى، لأن مزاج الشخص المانح قد تغير.

وربما نطرح سؤالاً آخر، هو: ما هو المردود الذي قد يعود إلى شركة داعمة للنادي؟. ربما لن تستفيد الشركة أو المؤسسة الداعمة أي شيء؛ فالشركات في الأساس تتحدث عن مبدأ الربح والخسارة فقط، ومن هنا يجب الاهتمام بتفعيل لائحة الانتفاع ولائحة الاستثمار، ولا ينبغي التركيز على الاستثمارات الضخمة جداً، بل هناك استثمارات بسيطة تستطيع أن تفي بمتطلبات الأندية، لأن الحلم الكبير بالاستثمارات الكبيرة هو الذي عرقل بعض الاستثمارات، منها استثمار نادي فنجاء الذي تم الإعلان عنه وسط تغطية إعلامية كبيرة دون أن يتحقق حتى الآن، رغم مضي سنوات من ذلك، وكذلك استثمارات أندية أخرى التي لم تر النور حتى الآن؛ فالمثل الشعبي عن الدواب يقول "اركب الهزيلة، حتى تجيك السمينة"، وفي أحوال أنديتنا مع المشاريع المتعثرة، فإن هذا المثل هو الأنسب للتطبيق الآن.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة