أحلم بكوكب ..!

راشد حمد الجنيبي

للناس أحلام وآمال، ويسعى الناس لنيل ثمارهم من حلمهم كاملة دون نقصان، لكن وعلى معترك الواقع قد يظل الحلم حلماً لا واقعاً ولا حتى هدفا، عندما يعجز المرء عن تحقيق مبتغاه على ميادين الأرض قد يحققها بخياله، لكن ومن جهة أخرى قد يحلم المرء بواقع أجمل إن كان واقعه أصلاً مبتورًا، ولكن إن رأى الغموض والضيق وحتى الجاثوم في أحلامه لتحقيق أمله وحتى أحلامه لتغيير واقعه قد يبالغ في الخيال والحلم؛ ويحلم بعالم غيب يكون فيه كل رجائه جائز، ويظل المرء يحلم ويحلم…

أحلم بكوكب بعيداً عن حس الواقع قريباً لمقاومته، هرباً من أي مخيف يجثم على المرء فيه، كوكب عالم أو حياة يرى فيها الخيال حلماً، والحلم هدفاً، والهدف واقعا، والواقع حينها يرى منه الحياة، ويبني به هدفاً ورؤية أسمى وأنقى، الحلم يظل سلسلة من التخيلات والتي قد تكون في عمق النوم، لكنه في الحلم حقاً هو وسيلة تلجأ لها النفس لتشبع دوافعها ورغباتها المكبوتة التي يكون إشباعها صعبا في واقع الحياة، فالفقير يحلم بمال والجائع يحلم بطعام، وأي ذي نقص يحلم بالاتمام والكمال، وكلٌ بحلمه يتفكر.

بعيداً عن كل هذه الشروح أحلم بكوكب، وهرباً من أي كابوس يخنق الحلم ويجرمه.. أحلم بكوكب، تكون مادته الأسرة، وبها تبدأ أصول المجتمع وتكاتفه، أحلم بكوكب أرى فيه ديناً يحكمه ويرسم خطوط حريات اعتناق أي فكر ومبدأ ودين، أحلم بكوكب يحترم الفنون ويقدسها ويصنع بها طبعة لهويّته، ويغذي به عواطف الناس وحسهم، أحلم بكوكب يكون فيه الانتقاد مباحاً لا مفسدة ويجعل من الانتقاد ازدهاراً لمجتمعه بل دافعاً للتحسين والتطوير، وأحلم أن أرى فيه كل راع يعتذر للرعية اذا أخطأ وينثر على رعيته نور ثقافة الاعتذار ونور تحمل المسؤولية، وفي حلمي أرى رعية الكوكب "الشعب" مصانون ولا تُنتهك حقوقهم، وإن حدث الانتهاك فأحلم حينها أن يكون شعب الكوكب مثقفاً بأدب الحراك السامي الذي يعيد عجلة التنمية في مكانها الصحيح، وكل هذا السمو يُسكب حينها في قالب التغيير للنجاح وللعلا، وفي نفس الوقت أحلم أن لا يستخدم الدين أفيوناً لرعية الكوكب، ويكون فيه ثَملاً مخدراً بصبغة دين عوجاء باسم الصبر عن الظلم، وبتلك الثمالة تعجز الرعية حينها عن السعي بحقها الذي يؤدي لتنمية الكوكب، لا فساد في الكوكب في حلمي، بل يمقته الكبير قبل الصغير في الكوكب، أحلم أن يكون حق رعية الكوكب ممثلاً في قانون التوازن، التوازن الذي يوجب كل حقوق الرعية ويكفلها مقابل واجبات الرعية تجاه سلطتها ومن يرأسها، نعم إني أحلم بكوكب يطبق فقه التوازن العظيم، نعم أرى في حلمي أن لا فرقَ بين الفلاح والأمير في ذاك الكوكب ولا احتقار ولا تعالي ولا حقوقا متفاوتة ولا مميزات مبالغة بينهم، أحلم أن يكون هذا الكوكب في أسمى مراتب الرقي في رحمته ولطفه، أي إذا أتاه لاجئاً مسكيناً مظلوماً هارباً من ظلم وجبر وتنكيل وغرق أن يُحتَضن ويُأوى في الكوكب، وكما أنّ مادة الكوكب هي الأسرة، فكل أسر الكوكب تحتضن اللاجئ المكلوم وتعوضه عن حقوقه، وتجعله منهم، وتلزم له كل حقوقه بل تحمله معولاً لبناء الكوكب أيضاً مع الرعية، وإذا استقر لا يعتبر لاجئا بل من أسرة الرعية بل الكوكب حينها يكون إمّاً له ولأسرته منعما مكرما فيه.

بحق وشغف أحلم بذلك الكوكب وبتلك الرعية، الذي إذا شق فيهم المجتهد طريقه يدعَم ويشجع لا كل الواقع، الذي إذا شق فيه المرء طريقه صعوداً لجبل مقاومًا وعورة الصعود ومهيئاً فيه ممرًا سهلا لصعود الآخرين من بعده، يحبطه الآخرون بل يهاجموه ويرموه بالحجارة، وإن وصل المرء للقمة ومهدَ الطريق لهم، يصعد المهاجمون لقمة الجبل ليزاحموا ذاك المرء ويقولون بجهل حينها: ها قد وصلنا!!، نعم فهذا يجسد الواقع وواقع الحلم وضريبة الحلم أيضاً، قد تظل الأحلام والآمال أضغاث أحلام، لكن لا ذنب في الحلم وإن لم يحقق بل هنيئا لمن يودع الأرض متجهاً للسماء وهو حالم محاول ومقاوم.. فقط أحلم بكوكب.

 

Rashidhj1139@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك