على أرجوحة أسعار النفط

د.سعد بساطة

لست بحاجة للطنطنة بشأن أهميّة النفط الماسة؛ ومدى حيوية ذاك الذهب الأسود في كل القطاعـات: النقل، الشحن، التصنيع، الزراعة من ضخ المياه؛ وتدفئة البيوت البلاستيكية green house وحتى القطاعات الخدمية؛ وبذا يمكن وصفه بأنه "سلعة معولمة" بامتياز!

وما حصل في العشرين شهرا الأخيرة من هبوط أسعار البترول الخام؛ من مائة وأربعين دولارا للبرميل إلى أقل من أربعين دولارا؛ هو كارثة حقيقية لدول النفط؛ وللأسف لم تنعكس إيجابًا كما يجب عـلى المستهلك العالمي بهبوط أسعار مشتقاته لأسباب أهمها: القلاقل في كثير من البلدان المنتجة؛ وانعدام الأمن والأمان في ممرات الشحن؛ وأسباب أخرى استراتيجية سـنتعرّض لها ببعض التفصيل لاحقاً..

أما مسألة التسعير فهي "حكاية" طويلة ذات شجون تتأثر بعوامل مختلفة أبرزها:

1) العرض والطلب: بواسطة أنشطة الإنتاج ضمن 4-5 بلدان بشكل أساسي بالرغم من أنّ الدول المنتجة الأقل تتجاوز الـ 50؛ وترعى أنشطة الاستخراج الأخوات السبع؛ وهي أهم شركات النفط العالمية: شيفرون، موبيل،شيل، تيكساكو، جولف أويل، إيسو، أنجلو إيرانيان -سابقا- أما الآن فتلعب شركات وطنية مثل (أرامكو السعـودية- الإيرانية- الروسية- الماليزية- فنزويلا- البرازيل- الصين) دوراً مرموقاً.

وعودة العـراق وإيران للإنتاج؛ زادت من تخمة الأسواق؛ التي تعاني للتو من إشباع لاسيما في ظل الكساد العالمي؛ ومانتج عنه من قلة الطلب..

2) دور البورصات العالمية: وخاصة لدى تداول الأسهم؛ وموضوع البيع بالآجل.

3) الوضع السياسي/ الأمني بدول الإنتاج وممرات الشحن ودول التكرير.

4) وعوامل أخرى أقل تأثيراً منها بيع لصوص النفط ببعض دول الشرق الأوسط لمنهوباتهم بأسعار بخسة خلسة وخارج البورصة العـالمية..

إنّ السعر النهائي هو نتيجة تفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض..!

ولا نغفل تـأثير وسائل الإعـلام على كل ماسبق؛ فالإعلان عن إضراب عمال استخراج النفط بالكويت؛ رفع المخاوف والأسعار؛ وتعميم امتناع إيران عن الاشتراك بمؤتمر تحديد الإنتاج بالدوحة خفّض الأسعـر!

هنالك عوامل تزيد بإشباع الأسواق لعل أهمها : النفط الصخري الناتج أساساً بأمريكا؛ والذي لاتعتبر الأسعـار الحالية اقتصادية لإنتاجه (يحتاج لحد أدنى 55$/برميل : بحسب الخبراء)؛ وبالتالي يتراجع الإنتاج الأمريكي بأكثر من نصف مليون برميل يوميا عن العـام الماضي!

ولعله من الطريف معرفة أنّ الخزانات متخمة على اليابسة؛ فتم اللجوء لناقلات النفط في عـُرض المحيطات لتخزين الفائض..!

إنّ قلاقل في بلد نفطي؛ أو إشاعـة عن تغيير حكومي في بلد منتج؛ أو مرور أيام من شتاء قارس بالغرب؛ كلها عوامل من شأنها أن ترفع السعر العالمي درجات ملموسة.

تتراجع الآن المخزونات العالمية/ الأمريكية: وهذا خبر جيد لمنتجي النفط؛ وهناك خبر آخر سيء: بقاء الزيادة اليومية بالإنتاج بما يقارب المليوني برميل..!

طرف حول الموضوع: مهندس البترول تأخر بالزواج؛ والسبب؟ مازال يبحث عن صبية "خام"..!

أثناء الربيع العربي وفقدان كثير من الأساسيات ومنها المازوت (سولار): أحدهم عثر في حديقة بيته عـلى مصباح؛ فركه فظهر المارد.. طلب منه عبوتين (20 لتر مازوت)؛ اختفى المارد، وصاحبنا ينتظر؛ وبعد ساعات نفد صبره ففرك المصباح؛ هنا ظهر المارد غاضباً وقال "هل سررت الآن؟؟ وصل دوري الأول بطابور الانتظار لدى محطة النفط؛ واضطررت لتركه لتلبية ندائك..! "

أسعار النفط تتذبذب بحسب نوعه (خفيف/ ثقيل)؛ ونسبة الكبريت؛ وغيرها من المواصفات الفيزيائية والكيماوية. وهنالك الأوز في بريطانية الذي سمي باسمه مزيج "برنت" الخفيف؛ وهو أغلى من تكساس بربع دولار. وهنا لايفوتنا مزيج دبي/عمان.

أجد هنا من المفيد التطرّق لبضع معلومات حول الدول المصدرة للبترول:الأوبك OPEC (Organization of the Petroleum Exporting Countries) كونها الهدف من إنشائها هو ضبط إنتاج/ تسعير النفط. هي (12) دولة الآن؛ وتم إنشاؤها 1960؛ ومقر المنظمة العاصمة النمسوية: فيينا.

والدول الاثنتا عشرة (السعودية- الكويت- العراق- قطر- إيران- الجزائر- الإمارات العربية المتحدة - ليبيا- نيجيريا- أنجولا- فنزويلا - الإكوادور)؛ وكما لاحظنا: أربع دول أفريقية؛ واثنتان من أمريكا اللاتينية؛ والستة الباقية في الشرق الأوسط. وفيها 1.1 تريليون برميل بمثابة احتياطات مؤكدة؛ وهذه تبلغ ثلث احتياطات العالم.

أولا- النفط؛ سلعة للمضاربين: لقد تغيّرت بنية أسواق النفط العالمية، دون أن تتخذ المنظمة الإجراءات اللازمة للتفاعل مع هذه التغيرات.

ثانيا - عـدم مراعاة الحصص التي حددتها للدول: تنتج الدول الأعضاء في المنظمة كميات من النفط عادة أكبر من الكمية التي خصصتها المنظمة لها.

ثالثا - الأنانية: هناك مشاكل داخلية بين الدول الأعضاء؛ بكتلتيها: الأولى (فنزويلا والإكوادور والجزائر) وتدعو للالتزام بالحصص المقررة ورفع أسعار النفط في أسواق النفط. والثانية (السعودية والكويت والإمارات العربية)، والتي تصرّ على ضرورة إغراق الأسواق بالنفط، بهدف تخفيض سعره بهدف إزاحة النفط الصخري الأمريكي من الأسواق.

رابعا - الوقوف ضد منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "OECD" .

خامسا - النزاعات داخل الدول الأعضاء.

سادسا - عـدم قبول روسيا في عضوية المنظمة.

مؤخراً: ارتفعـت الأسعار خلال الأسبوع بأكمله (3-6%) مدعوماً بتعطل الإمدادات في نيجيريا، إذ تقلص الإنتاج هناك إلى أدنى مستوياته منذ 22 سنة؛ ورافقه توقـّف الإمدادات الكندية بسبب الحرائق في منطقة الرمال النفطية بولاية ألبيرتا.

ننتظر موقفا عقلانيا وموحداً من الدول المنتجة؛ وتخفيض مجموع إنتاجها بمقدار مليوني برميل يومياً لرفع السعر بشكل ملموس (ولكن هذا سلاح ذو حدين فهو يشجع الشركات الأمريكية للعـودة لإنتاج نفطها؛ وهنا نعود للمربع صفر..)!

في غـضون ذلك هنالك حل ممتاز لتعويض الخسائر؛ يتجلى بعدم بيع النفط خاماً؛ بل الاستثمار في مصافي حديثة لتكريره، وهذا يخفف من البطالة من ناحية بإحداث آلاف فرص العمل للشباب؛ ويعطي قيمة مضافة مرتفعـة مقارنةً بالخام - مما يخفـّف آثار ذبذبة الأسعـار على الموازنة- فقد قرأت للتو عن قيام فييتنام بتكرير ربع مليون برميل نفط كويتي يومياً؛ وهنا يحضرني المثل الشعبي: ((جحا أولى بلحم ثوره))!

في الختام: إنّ ربط كل أنشطة بلد ما ومداخيلها وتركها معلقة بسلعة واحدة مثل النفط هو داء وبيل؛ أطلقت عليه الإيكونوميست "المرض الهولندي"؛ لندعو المولى بالشفاء منه؛ مع الدعاء بالمزيد من العمل الجاد.

تعليق عبر الفيس بوك