برشلونة النظام الثابت

حسين بن علي بن سعيد الغافري

كما كان مُنتظراً فقد حقق برشلونة لقبه الرابع والعشرين في الليغا الإسبانية. بُطولة تعسّرت كثيراً حتى اكتملت في أمتارها الأخيرة بعد لقب ظُنّ انتهاؤه مطلع فبراير الماضي. الليغا هذا الموسم مرَّت بمُنعطفات كثيرة ومُثيرة أضافت لها من المُتعة ما كفل بأن تكون في نهايتها بطولة كتلونية باستحقاق، وضمنت مُتعة تنافسية افتقدتها دوريات كبيرة كتلك التي أُعلن فيها البطل منذ فترة طويلة.

المُتابع لبرشلونة الألفية الجديدة يؤمن بأنّ هذا الفريق أصبح يؤسس تاريخاً مُغايراً في تركيبة كرة القدم الحديثة. بطولة ثامنة للدوري في آخر عشر مواسم يُعدّ إنجازاً فارقاً ويخطو بسجل الألقاب خطوات هادئة في مُلاحقة النادي الأسطوري ريال مدريد ذي الـ 32 لقباً في الليغا.

.. ومع كُل هذه الأفراح التي تعيشها كتلونيا وليالي السهر الصاخبة بعد اللقب وبانتظار اللقب الآخر في نهائي كأس الملك المحلي، إلا أنني ما زلت مؤمناً بأنّ صناعة هذا الفريق وأفكار وسياسات النادي تمّت على يد شخصين: أولهما، الراحل يوهان كرويف رمز وأسطورة النادي وباني الكرة الشاملة التي غيّرت برشلونة جذرياً، وصنعت الفِكر الرياضي الحقيقي الذي يتم تلقينه للشباب في مدرسة لاماسيا. أما الآخر فهو الرئيس السابق خوان لابورتا المؤسس الفعلي لبرشلونة الحاضر في الألفية الجديدة، ومُهندس الشكل المعروف للقوة الرياضية التي يتمتع بها برشلونة الجديد، ومُرسّخ لركائز متينة أعطت من أعقبه صورة شاملة لماهية متطلبات النجاح والطريق الذي يجب السير عليه بخطة ويمكن القول بأنها "Master Plan".

.. انحرف خوان لابورتا خلال فترة رئاسته لبرشلونة انحرافات تطلبتها المرحلة الحالية التي تعيشها كرة القدم وقام بانتشال الفريق المديون والمُترنح في مراكز الوسط، ولعلها الفترة الأصعب في تاريخ رئاسة النادي. كما أقدم في بداية عهده الرئاسي على تغليب المُتعة الكروية بقيادة الهولندي ريكارد؛ لجذب الجمهور وتسليط الماكينة الإعلامية؛ فحقق برشلونة المطلوب الذي تعاقد يومها مع رونالدينهو وضمن المركز الثاني المؤهل لمقعد بدور المجموعات لبطولة أبطال أوروبا ومن هنا بدأت الانطلاقة. لابورتا ركّز في بداية مشروعه ببرشلونة على جلب الأموال وإعادة الأمجاد الكتلونية التي غابت شمسها لمدة طويلة. فكان مُهتماً بتوجيه أفكاره على أنّ برشلونة بطل مرتقب في الأعوام المُقبلة ومرحلة السبات يجب أن تنتهي. ثانياً، ضخ المال في شباب النادي وعمل لتأمين صعودهم للفريق الأول بالمجموعة، وهو ما جعلنا نشاهد إنيستا ومن ثم ميسي وبوسكيتس وبيدرو وآخرين، ولعل تركيزه في هذا الجانب لسببين: ضعف السيولة المادية والعجوزات التي عانى منها الفريق نظير ديون كبيرة تُثّقل قدرات النادي وتضعف حركته بالسوق الكروية للاعبين. كما أنها خيار ناجح في مدرسة تُعدّ من أرقى مدارس النشء في كرة القدم وأنجبت نجوماً لهم صولات كبيرة في عالم المستديرة حتى شهدنا في عام من الأعوام القليلة السابقة مُباريات بلاعبين خريجي لاماسيا فقط وهو انتصار حقيقي لمدرسة النادي. الأمر الثالث في حقبة رئاسة لابورتا الذهبي كان مواكبة برشلونة للاحتراف الشامل الذي أصبح أساس كرة القدم، ووضع النادي لأول مرة مؤسسة رعاية تتوسط قمصان لاعبي الفريق وهو أمر كان غير مستساغ للتوجهات التي يرفضها المتعصبون في الإقليم الكتلوني. ففي البداية حمل الفريق شعار اليونيسيف كاحتواء ذكي من لابورتا يتفهم من خلاله الأنصار أن دعم برشلونة لمؤسسة غير ربحية عمل إنساني، ومبادئ النادي تحث على ذلك. إلى أن أضحى الفريق مُستقطباً للشركات الكبرى التي ضمنت له مداخيل سنوية كبيرة، وأصبح النادي اليوم يعد من بين الأندية الثلاثة الأغنى على مستوى العالم.

.. برشلونة اليوم أصبح بطموحات عالية تُناطح السحاب .. ارتداء القيمص الأزرق والأحمر حلم لنجوم اللعبة. مع هذا كُله ومع نهضة برشلونة وتواجده كعملاق كروي سيكون المُتابع الرياضي المحايد هو الفائز بتواجد هذا العملاق يوازيه قيمة استثنائية دائماً للنادي الأسطوري ريال مدريد، والمتوقع أن تبقى التنافسية أجيال قادمة تضمن جمالية التنافس المُمتع.

HussainGhafri@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة