ليلى البلوشية
كنت أقرأ موضوعًا عن كتب شهيرة هاجمها النُّقاد غير أنّها انتشرت بين عدد كبير من القراء حول العالم وطبع منها ملايين النسخ وهجوم النقاد عليها ذهب مع الريح.
سبق وقرأت موضوعًا شبيهًا عن قائمة من الكتب كان تداولها محظورا، أسباب المنع تختلف وتتفاوت عبر الزمن غير أنها تصب في المعنى نفسه، رواية كرواية 1984 للروائي الأمريكي الشهير جورج أورويل مُنعت في زمنها لأسباب سياسية، ثم أتيحت بعد أن مضى ذاك الزمن وسياسيوه، غير أنّها عادت للمنع مرة أخرى كما قرأت غير مرة وعبر أكثر من مصدر في مصر في عهد السيسي ولربما للأسباب السياسية نفسها!
أكثر الأسباب لمنع الكتب تحديدًا التي كانت تشيع في مجتمعاتنا العربية كانت تعود لأسباب إباحية؛ كون المجتمع متديناً، محافظاً، الرقيب الذي كان لا يكتفي بقطع اللقطات غير اللائقة من مسلسلات التلفزيون الذي يلتم حوله أفراد العائلة كافة، الكبار منهم والصغار، حدود المنع نفسها كانت تنطبق على الكتب المخالفة بحسب رؤى الرقيب، فيقتطع منها ما لا يليق، وفي كثير من الأحيان يمنع تداول الكتاب بكامله، الرقيب الذي يسعى من خلال هذا المنع، هذا الحظر إلى إبراز صورة معقّمة لأفراد مجتمعه، لذا صار الرقيب هنا قاضياً، صار أداة تطهير لمنع المحظور الذي اطلع عليه ووفق رؤيته الشخصية حكم بمنعه، لقد سمح لنفسه بمشاهدة المحظور وما لا يليق، وفي الوقت نفسه أصدر قرار المنع على الآخرين من خلال رؤيته لا رؤية الآخرين، إنّه حكم فردي من شخص واحد، من عين واحدة، من حاسة واحدة، من فكر واحد أصدر حكمه عن الجماعة، هذه الجماعة، هؤلاء الأفراد تحت رحمة هذا الرقيب وذوقه الشخصي أيضًا، ما جاء في الكتب المحظورة ذهب إلى وجوب طمسها وإخفاء ما جاء فيها عن الآخرين في مجتمعه كأنهم أطفال سذج دون سن البلوغ!.
أما في الوقت الحاضر فلعل أكبر أسباب التي تدفع الرقيب في المجتمع إلى منع كتاب، إلى حظره كما لو أنّه يتسبب في تفشي جرثومة خطيرة تعود لأسباب سياسية، تصل إلى حبس مؤلفها كأن كتابه سيكون سببًا لهدم حضارة بلاده!
أسباب المنع لا تكتفي بالكتاب ولا بدحض الأفكار الواردة في صفحاته بل تلاحق لعنتها الكاتب أيضًا، الكاتب سيكون مصدرا للتهديد ومهددا في آن، فأفكاره التي روّجها في كتاب هي مبعث تهديد كما يرى الرقيب لمجتمعه ولأفراد هذا المجتمع، هذا الرقيب الذي توّج نفسه مرتبة الوصي أصدر تهديده للكاتب الذي في أكثر الأحوال يتعرَّض للحبس، كما قد يتعرض هذا الكاتب المتمرد، العنيد للاغتيال بشتى الأشكال وأكثرها قسوة وبشاعة.
الحظر الذي تعدّى حدود المنع على كتاب أو فيلم أو برنامج تلفزيوني بل صار الإنسان نفسه ووجوده محظورا في نظر الرقيب المتشكك، الرقيب المرتعب من فكر الآخر، من فكر كل ما لا يتوافق مع فكره، الإنسان الذي صار محظورا، صار محاصرا في عالم تقني عرف رقيبه جيدًا كيف يصنع قيوده على كل ما لا يتوافق، تمكن من فرض أساليب المنع ويجاري التقنية الحديثة في ذلك بل يتحداها في سبيل مدّ أسلاكه حول كل حد مخالف!.
ذاك الإنسان الذي صار وجوده محظورا؛ لأنّ أفكاره مسمومة، لأنه في نظر الرقيب قنبلة تهديد، لأنه ببساطة عبّر عن وجهة نظره، لأنّ آراءه الشخصية مسكونة بهاجس التغيير وتنطلق بطلاقة وحريّة، تلك الحريّة المطاردة بسوء الظن، التي فني في سبيلها كثيرون عبر أحقاب التاريخ وما يزال، الحريّة هي الحلم والغاية المثلى للإنسان وكما ذهب زياد الرحباني "الحرية هي أول خمس دقائق من ولادتك بعدها سيقررون اسمك، جنسيتك، دينك، طائفتك، وستقضي طوال حياتك تدافع وتقاتل بغباء عن أشياء لم تخترها!" .
Ghima333@hotmail.com