انقلاب يميني في البرازيل

فهمي الكتوت

بعيدًا عن الأسباب التي تذرَّع بها اليمين البرازيلي في عزل ديلما روسيف، هناك أسباب كافية لدى الولايات المتحدة الأمريكية للإطاحة بالحكم في البرازيل، فهي ليست وحدها المستهدفة بل مجموعة من الدول في جنوب القارة الأمريكية التي تحررت من نهج الليبرالية الجديدة، فقد شهد العقد الثامن من القرن الماضي تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة المعروفة بإفقار الشعب وإخضاع الدول النامية للتبعية الإمبريالية، من خلال إغراقها بالمديونية، وفرض "سياسة التكيف وإعادة الهيكلة"، التي تختصرها المُنظمات الدولية من صندوق النقد الدولي إلى البنك الدولي ومُنظمة التجارة العالمية، بسياسات "الإصلاح الاقتصادي".

ومن أهم هذه السياسات؛ إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين بهدف توسيع السوق الرأسمالي، بتحرير التجارة الداخلية والخارجية وإزالة الحواجز الجمركية لتسهيل انسياب السلع أمام التجارة الخارجية، وتحرير حركة رأس المال وتراجع دور الدولة في الاقتصاد، وتطبيق سياسة التخاصية، بعد إغراق هذه الدول بالديون المشروطة والتي تفتح البلاد على مصارعها أمام تغلغل رأس المال الأجنبي للسيطرة على الاقتصادات الوطنية ضمن التصورات والرؤية الأمريكية. وتحميل الفقراء أعباء الأزمات الاقتصادية لصالح حفنة من الأثرياء، وأعتقد أنّ لشعوبنا العربية تجربة مريرة في هذا الاتجاه. فالتعليمات والإملاءات التي يصرفها صندوق النقد والبنك الدوليين واحدة لجميع الدول المُستهدفة.

فعلى سبيل المثال اشترط البنك الدولي عام 1985 على البرازيل أثناء مفاوضات الحصول على قرض، تشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وكانت هناك شروط صريحة وضمنية ترتبط بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استمرت هذه السياسات في القارة الأمريكية خلال الثمانينات والتسعينيات في ظل الحكومات اليمينية المرتبطة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وما النتائج الكارثية التي وصلت إليها دول أمريكا اللاتينية إلا ثمرة للسياسات الليبرالية الجديدة، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى 48% من سكان القارة في عام 1990، وبلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في البرازيل وحدها نحو 54 مليون إنسان، في حين استحوذ 10% من السكان على نحو 65% من ثروة البلاد الغنية، قبل وصول عامل المعادن والقائد النقابي رئيس اتحاد نقابات العُمّال في الفترة الواقعة ما بين 1989-1998 لولا دا سيلفا قائد حزب العمال لرئاسة الدولة في البرازيل، والذي فاز في انتخابات عام 2002. كان يوصف لولا دا سيلفا بأبي الفقراء، فقد جدد له في دورة ثانية وبقي رئيسًا للبلاد لغاية 2010، وخلفته رفيقة دربه المناضلة اليسارية ديلما روسيف وهي من قادة حزب العمال والتي تعرضت في حياتها السياسية للسجون والمُعتقلات بسبب مواقفها النضالية ضد الحكم الديكتاتوري وضد سياسات الليبرالية الجديدة، ومن أجل الحرية والديمقراطية إبان الحكم العسكري الذي ساد في البلاد في الفترة ما بين 1964 إلى 1985.

نجحت القيادة العمالية بالبرازيل في استثمار موارد البلاد لصالح الشعب البرازيلي والنهوض بالاقتصاد الذي رفع مكانة البرازيل إلى سابع أكبر دولة في العالم، وأحد أركان مجموعة دول بركس المكونة من الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى البرازيل، ومن أبرز السياسات الداخلية انتشال 20% من سكان البرازيل من الفقر في عهد حزب العمال الذي امتد لمدة 13 عاماً.

وقفت البرازيل إلى جانب حركات التحرر العالمي، وبشكل خاص إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله ضد المحتلين الصهاينة، وكان لرئيسة البرازيل المُنتخبة للدورة الثانية مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية فقد رفضت قبول اعتماد أحد قادة المستوطنات داني دايان سفيرًا للكيان الصهيوني لدى البرازيل في آب (أغسطس) الماضي، ورفضت الخضوع للضغوط الصهيونية. وقد أشاد رئيس البرلمان العربي أحمد الجروان بوقوف الشعب البرازيلي وحكومته إلى جانب الحق الفلسطيني والسلام العادل في المنطقة والعالم. ورحَّب الجروان في بيان له بتصريحات وزير خارجية البرازيل ماورو فييرا التي أكد فيها "أنّ بلاده تدافع بقوة عن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

كما يؤكد مراقبون أنّ الحملة التي يشارك في دعمها "الصندوق الوطني للديمقراطية" الأمريكي و"الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، تقف وراءها شركات "وول ستريت" المالية، وتهدف إلى تأجيج أزمات اقتصادية لانهيار قيمة الريال البرازيلي، لتفتح الطريق أمام الشركات المتعددة الجنسيات لشراء الشركات الحكومية البرازيلية بأبخس الأثمان، وخاصة شركات البناء البرازيلية الضخمة.

أعتقد أنها أسباب كافية للتآمر على حزب العمال مستغلين تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وأن ما يجري في البرازيل هو جزء من الصراع الدائر بين المراكز الرأسمالية والدول الصاعدة التي تمردت على سياسة التبعية للإمبريالية الأمريكية خاصة إذا ما علمنا أن موقع "ويكيليكس"، كشف عن معلومات مفادها أنّ الرئيس المؤقت الجديد في البرازيل "ميشال تامر"، الذي تآمر على ديلما روسيف كان عميلاً مخبراً لصالح الاستخبارات الأمريكية.

تعليق عبر الفيس بوك