قاعدة باريتو

أسماء القطيبيَّة

قاعدة باريتو أو قاعدة (80 و20) هي إحدى أشهر القواعد التي طُبِّقت على مجالات واسعة في العلوم النظرية والإنسانية، وباريتو هو اسم الخبير الاقتصادي الذي تُنسب إليه هذه القاعدة؛ حيث إنه كان قد لاحظ أن 80% من موارد العالم يتحكم بها 20% من سكانه فقط. وقد أُخذت منه هاتان النسبتان التقريبيتان لتؤسس بهما قاعدة عامة تنص على أن 80% من الأهداف يُمكن تحقيقها بالتركيز على 20% من الأهداف أو الوسائل.

ففي مجال التسويق -مثلا- أصبحت العبارة التالية: "80% من المبيعات تُحقق بواسطة 20% من الزبائن فقط" إحدى المبادئ الأساسية التي يعرفها كل من يعمل في هذا المجال؛ وبالتالي فإنَّ المسوِّقين يعملون على كسب ولاء الزبائن ليصبحوا عملاء دائمين، كما استخدمت قاعدة باريتو في مجالات الإدارة والتربية...وغيرهما.

ويُمكن تطبيق قاعدة باريتو على مستوى شخصي؛ كونها تساعد الشخص على جعل حياته أكثر تنظيما، وتحثه على إعادة التفكير في الأولويات وبالتالي التركيز على الأهم فالمهم وهكذا. وأهم تطبيقاتها في هذا المجال أنها مفيدة في إعادة تقييم العلاقات الاجتماعية. حيث إنَّ الواحد منا أصبح يمتلك دائرة معارف كبيرة تبدأ من الأسرة وأصدقاء الدراسة، ثم أصدقاء العمل والمعارف وأصدقاء العائلة....إلخ، ويحدث أنَّ الواحد منا يُحاول أن يبقى على اتصال مع جميع هؤلاء ويحرص على الالتقاء بينهم في فترات متقاربه، وهذا ما يؤدي به في النهاية إلى الشعور الدائم بالانشغال. ولكن الأهم من ذلك أنه في أثناء محاولته الاهتمام بالجميع ينسى أن يولي بعض الأشخاص المميزين في حياته المقدار اللازم من الاهتمام، ويفوت على نفسه قضاء وقت أطول مع الأشخاص الذين يُشكل وجودهم فارقا كبيرا في حياته. لهذا الشخص نقول جرب أن تهب 80% من اهتمامك لـ20% من معارفك، هم أولئك الذين ينتظرون منك أن تقضي معهم وقتا أطول وأن تشاركهم تفاصيل حياتهم، أما الـ20% الباقية فهي للتواصل مع بقية معارفك وأصدقائك.

وعلى مستوى الإنجاز الشخصي، فإنَّ التخصص في أمر ما يتطلب أن يكرس له الشخص مساحة لا تقل عن 80% من بحثه وجهده، فعلى سبيل المثال إذا كان تخصصك في العلوم الاجتماعية فإنَّ عليك أن تقرأ ما نسبته 80% من مجموع قراءتك في هذا المجال، وأن تكرس 80% من مشاهداتك من الأفلام والبرامج المتعلقة بتخصصك، بينما تقضي من باب الترفيه الـ20% الباقية في القراءة والمشاهدة المنوعة. ورغم أن ذلك يبدو أمرا شاقا، إلا أنه الطريقة الصحيحة في تطوير المعرفة، خاصة وأن هناك تطورا سريعا في كافة العلوم ينبغي للمتخصص أن يكون دائما على إطلاع بها. ووفقا لبعض المتحمسين لقاعدة باريتو فإن هذه الطريقة هي التي اتبعها الأشخاص الذين طوروا في مجالاتهم واضافوا إليها النظريات والقواعد.

وتنطبقُ قاعدة باريتو على التجمعات التي يزيد عدد أفرادها على 10 أشخاص؛ حيث إنَّ 20% من الحضور هم من يتكلم غالب الوقت في هذه التجمعات، بينما يستمع البقية لهم وتقتصر مشاركتهم في إبداء بعض التعليقات والملاحظات. هذا لا يعني أن هؤلاء المتحدثين هم الأكثر معرفة، بل انهم الأكثر حضورا وكاريزما؛ لذلك فإنهم يبرعون في جذب انتباه البقية للاستماع إليهم. وهؤلاء المتحدثون هم الأكثر تأثيرا لأنهم يديرون دفة الحوار ويركزون على مواضيع بعينها؛ لذا يُنصح بأن يطور الشخص مهاراته حول كيفية اختيار المواضيع، وطريقة التحدث وكسب انتباه الآخرين من أجل أن يكون من اولئك الذين يعبرون عن أنفسهم بثقة أمام الآخرين.

وهكذا.. فإنَّ قاعدة باريتو قابلة للتطبيق في جوانب عديدة من الحياة، فرغم أنها قاعدة بسيطة إلا أنها تساعد على التركيز وعدم تشتيت الطاقة والجهد في أمور ذات جدوى، ولعل إحساسنا الدائم بالانشغال يعود إلى أننا نُولي أمورا ثانوية وقتا أكبر مما تحتاجه، بينما نغفل عن بعض الأولويات؛ لذا اجعل قاعدتك دائما "80% من الوقت لـ20% من الأعمال المهمة، والأشخاص المهمين دون تجاوزات"، وستلاحظ التغيير الكبير الذي سيحدث في واقعك.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة