حميد السَّعيدي
أحد أهم حقوقنا الرئيسية نحن المواطنين على هذه الأرض الطيبة، هو لقمة العيش النظيفة لنا ولأطفالنا ونسائنا وآبائنا.. من حقنا أن يكون غذاؤنا صحيا بحيث ينعم هذا الوطن برجال أصحاء قادرين على العمل، وليس مرضى لا تتسع المستشفيات لهم.. من حقنا أن نعيش لا أن نُحرم من الحياة الصحية بفعل فاعل.. من حقنا أن نأكل غذاءً صحيا لا ملوثا بالفساد.. من حقنا أن يقوم القانون بحمايتنا من جَشَع التجار وطغيانهم، هو الطغيان والغلو عندما يتمادى الفرد في ممارسة الفساد بصورة متكررة، هو أقسى الجرائم شدة عندما يُسمَّم شعب بأغذية فاسدة، هو القتل البطيء عندما تكثر حالات الأمراض المسرطنة بنسبة تفوق المعتاد، هو هذا الشعب الذي لا يبغي إلا لقمة عيشه نظيفة وصحية. لكن هذا الحق اغتُصب اليوم على أيدي عَبَدة المال، ونحن نشاهد المشهد ماثلا أمامنا، فما نواجهه اليوم هو أشبه بجرائم إبادة جماعية بطيئة لأبناء هذا الوطن الغالي تحت مرأى ومسمع الجميع؛ فقد سُمِّم غذاء أطفالنا سابقا، وتكرَّر المشهد مرات عديدة، واليوم لم يسلم شيء على هذه الأرض ونأكل منه إلا وقد تلاعبتْ به أيادي الخونة وعبدة المال، فلم تعد هناك طمأنينة تجاه ما نأكله من غذاء نتيجة ما نسمعه من توارد للأخبار كل يوم خلال هذه الفترة، فأصبح الأمر حقيقة أن كل شيء صار مشكوكا في صلاحيته للأكل!
هذا نتيجة للسبات العميق الذي تعيشه المؤسسات الحكومية والتي تصحو في مواسم معينة، فتكتشف أن هناك مصائب حصلت في فترة سباتها، فنحن لسنا بحاجة إلى تلك الإنجازات الاكتشافية أو الأخبار الاستباقية، فهي ليست إنجازات وإنما مؤشرٌ على أن هناك خللا ما في مكان ما؛ فما يحدُث من تكرار لقضايا متعلقة بالغذاء بدءًا من حلويات الأطفال إلى كل أصناف الغذاء التي اكتشفت أنها غير صالحة للاستعمال الآدمي -حتى الماء الذي لم ينجُ من بطشهم- يُعطي دلالة على مجموعة من المؤشرات التي تحتاج لأن نقف عليها اليوم؛ فغياب المواطنة الفاعلة ودورها في القيام بواجباتها الوطنية، يتيح المجال لانتشار الفساد بكافة أشكاله وأنواعه، وضعف المسؤوليات وغياب الأمانة والإخلاص الوطني الذي تسبَّب في تمادي الأيدي المجرمة في تكرار إجرامها، وعدم مقدرةِ القانون على ضبط هذا الإجرام مما ساعد على انتشار هذه الظاهرة في كل محافظات السلطنة، وضعف الرقابة لدى المؤسسات والأجهزة المعنية مم أسهم في إتاحة الفرصة لهؤلاء في التلاعب بالمواد الغذائية، إلى جانب وجود فجوة كبيرة بين المؤسسات الحكومية المعنية بالغذاء نتيجة لتشابه الأدوار، والأخطر من ذلك فتح أبوابنا للعمالة الوافدة التي أصبحت تشكل ما نسبته 45% من حجم السكان في ظل قلة فرص العمل؛ مما يدفعهم للغش التجاري والتلاعب بكل شيء بحثا عن المال، فنحن من فتحنا لهم ذلك المجال واليوم نتهمهم بالإجرام.
فلا يُمكن أن نلومهم؛ لأنهم لا يمتلكون حسَّ المواطنة والوطنية؛ فهم لا ينتمون لهذا الوطن، ولا يمتلكون الوازع الديني حتى يخافوا من عقاب الآخرة، ولا يهمهم الحجز في السجون فقد جنوا من الأموال ما يكفيهم أن يصبحوا أغنياء في بلدانهم؛ فهي تعتبر فترة نقاءة بالنسبة لهم، ولكن علينا أن نلوم أنفسنا لأننا نحن من سمح لهم بالعيش بيننا، ونحن من فتحنا المجال لهم عندما ضَعُفَت رقابتنا عليهم، إنَّ الغرامات المالية لم تُعد تُخيف أحدا؛ لأنها تسدد من الأرباح المادية، فهي لا تمثل لهم شيئا حتى يخاف من أن يدفعه من جيبه، فقد حصل عليها مجانا نتيجة للتلاعب في السلع الغذائية.
لذا؛ فإنَّ ما يمرُّ به الشارع العُماني من غضب نتيجة طبيعية؛ لأنَّ هناك إخفاقًا في اكتشاف هذه الحالات مبكرا فهي تكتشف متأخرة بعد أن وصلت للمواطن، بالرغم من تعدد المؤسسات الحكومية التي تشرف على الغذاء؛ ومنها: البلدية والزراعة وحماية المستهلك والصحة والجمارك، إلا أنها لم تستطع أن تكون قادرة على منع حدوث هذا الفساد في الأغذية، حتى وصل الأمر للأغذية الأساسية التي يتناولها المواطن؛ لذا فنحن اليوم بحاجة إلى مؤسسة متخصصة تتولى المراقبة على جميع أصناف الأغذية بالسلطنة؛ سواء كانت المنتجة محليا أو التي يتم استيرادها من الخارج وفقا لمعايير عالية الجودة؛ فالارتفاع العالي في نسبة الأمراض السرطانية هو ناتج عن الأغذية غير الصحية والتي يتناولها المواطن، والمؤشرات التي تنشرها وزارة الصحة يتضح لنا من خلالها حجم الكارثة الإنسانية التي يمرُّ بها الوطن؛ لذا فعندما نقول إنَّها جريمة قتل بطيء للشعب العُماني فإنما مرد ذلك يتمثل في هذه الأمراض التي لم تسلم منها عائلة أو بيت في السلطنة؛ فالغذاء الصحي الذي يدفع المواطن مقابله أموالا بذل جهدًا في الحصول عليها يفترض أن تكون ذات جودة عالية، ولكن ما يحدث للأسف الشديد والذي أثار غضب الشارع العُماني ليس فقط عملية الاكتشافات المتأخرة لهذه الأغذية، وإنما لتكرار حدوثها في أغلب مؤسسات القطاع الخاص المنتجة للغذاء أو المستوردة له، إلى جانب الحاجة إلى إعادة النظر من جديد في مشروع الجمعيات الاستهلاكية والتي تشرف عليها الحكومة، والتي ستسهم بكل تأكيد من التقليل من بطش التجار، وتساعد في حصول المواطن على أغذية سليمة، وإعادة النظر في القوانين العقابية التي تطبق بحيث لا تقل عن الطرد من البلاد، وإغلاق المؤسسات الخاصة بصورة نهائية، ودفع غرامات مالية تتجاوز الحالية بعشرات المرات، والسجن لفترات طويلة وليس سنوات عابرة؛ فعلى الجهات المعنية أن تكون يد المواطن في أخذ حقوقه من المجرمين، هذه المطالب التي يطالب بها المواطن لحمايته من بطشهم، فلا يمكن اليوم التهاون في هذا الموضوع؛ فغذاؤنا لا يقبل القسمة ما بين صحتنا والمصالح المادية للتجار، فأيُّهما نبغي أولاً: إما أن نحصل على مواطنين مرضى وتجارا أغنياء، أو مواطنين أصحاء وتجارا أوفياء لهذا الوطن.
Hm.alsaidi2@gmail.com