طلابنا وحادثة الإسراء والمعراج (2)

عيسى بن علي الرواحي

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي بأن هناك أمرين مهمين ينبغي التركيز عليهما مع أبنائنا الطلاب تزامنًا مع الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، فالأمر الأول أوضحته في مقالنا السابق وهو ربط الطلاب بمقدساتهم الإسلامية ودورهم في الحفاظ عليها والدفاع عنها، وأهم تلك المُقدَّسات المسجد الأقصى الشريف الذي كان منتهى مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومبتدأ معراجه إلى السماوات العلا.

أما الأمر الآخر الذي هو حديث مقال اليوم، وهو ما يجب أن يؤكد عليه في هذه المناسبة الجليلة لأبنائنا الطلاب هو ركن "الصلاة" التي فرضت في هذه الرحلة المُباركة، وهي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماوات العلا.

والحديث عن فريضة "الصلاة" ليس حديث مناسبات فحسب، وإنّما حديث يجب أن يكون في جميع الأوقات ومختلف الأحوال، ويجب أن تغرس في الطلاب قيمة الصلاة وأهميتها وعظمتها في مختلف صفوفهم الدراسية، بحيث لا يقتصر الحديث عنها من خلال الدروس المخصصة في مناهج التربية الإسلامية في بعض الصفوف الدراسية.

وعندما يعيش الطالب التعليم المتواصل، والتذكير الدائم، والمتابعة المُستمرة سواء في المدرسة أو البيت فسيكون تعامله مع قدسية هذا الركن العظيم مختلفاً عمّا يعيشه كثير من طلاب المدارس اليوم.

نعم عندما يقوم كل مُعلم في المدرسة، وكل فرد في الأسرة مذكرًا معلمًا الابن الناشئ بأنّ الصلاة هي ثاني أركان الإسلام حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"

وأنّ الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد، وبها مناط قبول الأعمال، فبصلاحها تصلح الأعمال، وبفسادها تفسد الأعمال، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله" وأن الفوز والفلاح يوم القيامة مرهون بإقامة الصلاة، وأن إقامتها أولى صفات المؤمنين حيث يقول الله تعالى : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيم(ِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [سورة المؤمنون : 1_2] وأن ترك الصلاة يؤدي بالمرء إلى النّار وبئس المصير حيث يقول الله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [سورة المدثر :42_ 43] فعندما يُعلم الطالب ويذكر دائماً بهذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية المتعلقة بهذا الركن العظيم؛ فإننا نأمل أن يكون اهتمام أبنائنا الطلاب بهذه العبادة بالغًا، وحرصهم على إقامتها دائماً مستمرًا.

إن واقع كثير من أبنائنا الطلاب مع أدائهم لفريضة الصلاة يتمثل في أمرين اثنين يجب على الجميع أن يكون له دور في التغلب عليهما، فالأمر الأول هو جهل كثير من طلاب المدارس بأداء فريضة الصلاة، والأمر الآخر تهاونهم واستهتارهم بأدائها، وقد أوضحت هذه القضية بالتفصيل في مقال سابق بعنوان "ظاهرة جهل الطلاب بأداء الصلاة" نشر في ديسمبر 2014م، وأوضحت بأنّ دور المدرسة ينبغي أن يتمثل في القضاء على ظاهرة "جهل الطلاب بأداء هذه الفريضة" بتعاون جميع الأساتذة دون استثناء باستغلال جميع الأوقات المتاحة وأهمها حصص الاحتياط في تعليم تطبيقي لكيفية أداء الصلاة بوجهها الصحيح لجميع الطلاب الذين يجهلون ذلك، ولا يتحقق ذلك بلا ريب ما لم يُدرك العاملون في المدرسة خطورة هذا الأمر على أبنائهم الطلاب، وأن هؤلاء الطلاب في مقام أبنائهم.

وبينتُ في ذات المقام دور الأسرة التي يجب عليها ألا توكل مسألة تعليم الصلاة إلى المدرسة بل الواجب والمسؤولية تقع على عاتقها أولاً وأخيرًا، بحيث يتم تعليم الابن الصلاة وفق التوجيه النبوي وهو ابن سبع سنوات، وعدم التهاون معه في حال تركها وهو ابن عشر سنوات حيث يقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_ : " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" .

ومن الأهمية كذلك أن يكون للمسجد دور في هذا الأمر كذلك، إما بتعليم الجاهل الذي لا يعرف عن الصلاة شيئًا، وإما بتصحيح ما يقع فيه كثير من المصلين من أخطاء أثناء تأديتهم هذه الفريضة.

إنَّ مما يؤسف له في وقتنا الحالي أن نجد كثيرًا من الآباء يحرصون أشد الحرص على متابعة أبنائهم دراسياً، ويهتمون بهم اهتماماً بالغاً إلى درجة جلب الأساتذة لهم في المنازل من خلال الدروس الخصوصية ناهيك عن إنفاقهم الكبير في إلحاقهم بالمعاهد لأخذ الدورات التخصصية في مختلف العلوم والفنون، وفي المقابل فإنّهم لا يهتمون بأبنائهم في تعليمهم أمور دينهم، ولا يعرفون عنهم شيئًا في شأن أدائهم للصلاة من عدمها، وكأنّها أمر ثانوي على هامش الحياة لا تستحق التعليم والمتابعة، أو أنهم يوكلون أمر تعليم الصلاة إلى المدرسة فقط، والأمر الأدهى من ذلك عندما تغيب عن الأبناء القدوة الحسنة في إقامة الصلاة سواء داخل البيت أو المدرسة.

إننا ونحن نعيش ذكرى الإسراء والمعراج ومع اقتراب شهر رمضان الكريم، فإنّه يجب أن نراجع حساباتنا ومعرفة أولوياتنا في الحياة، ويجب أن تكون الصلاة في قائمة ما نعتني به في حياتنا، ويجب أن تكون كذلك في قائمة ما نتابع فيه أبناءنا إذا أردنا لنا ولهم السعادة والراحة والاطمئنان والفوز والفلاح في الدارين، وصدق الله العظيم القائل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [سورة العنكبوت: 45] صدق الله العظيم.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك